منذ أن طُرحت فكرة تعديل القوانين للمنظومة الانتخابية بدأ الجدال العميق حول إحدى طرق توزيع المقاعد وأخذت سانت ليغو الحيز الأوسع وكأن قوانين المنظومة الانتخابية ليس فيها إلا هذه المشكلة وما زاد في تعقيدها أيضاً هو عدم طرح الإشكالات الجسيمة الأخرى سواءً الفنية أو القانونية وهذا ما يشجع على المضي بتغيير فقرة أو بعض الفقرات القانون الانتخابي دون الغوص في أعماق المشاكل للمنظومة الانتخابية برمتها.
لن أكرر ما كتبته عن سانت ليغو وسانت ليغو المعدلة مع ضرورة إيجاد عتبة انتخابية أكبر ففي هاتين الورقتين تفاصيل تغني {إيضاحات مجدولة حول سانت ليغو وسانت ليغو المعدل/ ضجة سانت ليغو.. وحلولها المبسطة}.
وسأعرج في هذا المقال عن اهم الأمور والإشكالات التي غطت عليها ضجّة حول سانت ليغو وتَرِكتها دون معالجة ودون أي ذكر لإصلاحات أو حتى تنويه لما تقتضيه المرحلة لمعالجة إشكالات الانتخابات الأخيرة التي كادت ان تنهي العملية السياسية برمتها.
وأوجز أهم هذه الإشكالات بالنقاط التالية: –
1. هناك أكثر من 270 حزب نال إجازة التأسيس من دائرة الأحزاب في مفوضية الانتخابات ولكن أستطيع أن أجزم أن أكثر من 90% من مكاتبها السياسية وقادة هذه الأحزاب لم يقرأوا المنظومة الانتخابية ولم يحددوا ايجابياتها وسلبياتها وما هو الإصلاح المطلوب لإنضاج منظومة انتخابية كبقية الدول الديمقراطية.
2. وجود ثقافة ديمقراطية ضعيفة بشكل عام وضعيفة جداً في الانتخابات بحيث هناك كثير من القنوات الفضائية والإعلام وجمع غفير من السياسيين وبعض الاكاديميين يعتبرون سانت ليغو قانون ويعترضون على كثرة الأحزاب وفي نفس الوقت يرفضون وجود عتبة انتخابية.
3. وجود طريقتين للفرز والعد {يدوي / والكتروني} ولم نجد أي اعتراض من أي حزب أو جهة اكاديمية أو مراكز دراسات إلا ما ندر فوجود هذه الطريقتين قد تنهي العملية السياسية برمتها وليس الانتخابات فقط وأوجز إشكالاتها: –
اعتراف ضمني بأن لا ثقة بأي منها.
تكاليف مالية مضاعفة.
يحتاج موظفي الاقتراع المؤقتين الذين تتعاقد معهم المفوضية لمدة يوم واحد إلى تدريب مكثف مضاعف وقد يخفق الكثير منهم من تعلم الطريقتين في آن واحد مع العلم أن هؤلاء الموظفين يقارب تعدادهم 400 ألف موظف. وسينعكس ضعف تدريبهم سلباً على نتائج الانتخابات وهذا وارد جداً.
وجود أجهزة الكترونية وعدم وجود معرفة تامة بطريقة التصويت وأين توضع الإشارة حيث نجد مئات الآلاف من الأوراق الباطلة والكلام عن ذلك كثير وخصوصاً عندما نجد الأمية في العراق بحدود 40% فكم سنجد من سنجد من الأوراق الباطلة لأن الجهاز لا يتمكن من معرفة نية الناخب بينما باليدوي ممكن بسهولة معرفة ذلك.
لا يمكن تطابق النتائج في الطريقتين وهذا يسبب ارباك كبير في تباين النتائج وفي ثقة الناخب والأحزاب بالعملية الانتخابية برمتها مما يزيد الشكوك وتتضاعف الطعون ويؤخر إعلان النتائج النهائية لفترة تتجاوز الشهر وهذا كله يعيد مشهد انتخابات تشرين 2021م وقد يثير إشكالات جمة بين الأحزاب الفائزة والمتفاوتة بعدد المقاعد ويعقّد المشهد وقد تنهي العملية السياسية برمتها والثقة في الداخل والخارج في الانتخابات.
4. استغرب جداً صمت الأحزاب المعترضة على سانت ليغو ولا نجد لها أي رأي حول عدم إمكانية التصويت ل 10 مليون ناخب ما يقارب 37-40% من مجموع الناخبين وقد يكون معظم هؤلاء من المحسوبين على الأحزاب الناشئة التي لم تقرأ القانون بعمق ولم تركز سخطها سوى على طريقة توزيع المقاعد التي لو تعمقت بمفهومها لاستفادت أكثر من الأحزاب الراعية لسانت ليغو. واستغرابنا أشد من صمت الأمم المتحدة والمنظمات الدولية فهذا الأمر يعارض المعايير الدولية لتسجيل الناخبين.
5. لا يوجد في كل دول العالم الديمقراطي تدقيق سجلات الناخبين بعد الانتخابات وهذا اعتراف ضمني من المشرع بعدم وجود ثقة في سجل الناخبين.
6. لم نجد اعتراض يشكل ضغط بتطبيق قانون الأحزاب ومنع الأحزاب الدينية والعرقية ومن تمتلك مليشيات مسلحة المشاركة في الانتخابات وهذا يعزز الرأي بأن معظم الأحزاب لم تقرأ المنظومة الانتخابية ولم تعرف ثغراتها الجسيمة لذا تتفاقم الأزمة السياسية عقب كل دورة انتخابية.
7. لا توجد عقوبات على من يتجاوز أو يستخدم المال العام أو معدات ومؤسسات الدولة في الانتخابات فما موجود في القانون الذي لم يقرأه السياسيون المعترضون بعمق هو {يمنع استخدام أموال ومؤسسات الوقف السني أو الشيعي/ لا يجوز استخدام معدات ومؤسسات الدولة/ يمنع استخدام الآليات الحكومية وشعار الدولة … الخ كلها يمنع، لا يجوز، يحضر، الخ} لذا تتكرر هذه المخالفات ولن نجد من يعترض عليها فهي أشد تأثير من تغيير طريقة توزيع المقاعد.
8. حتى لا أسهب وأذكر كل إشكالات الفنية والقانونية لمنظومتنا الانتخابية واكتفي بذلك ولمن يرغب بالتفاصيل فلدي أكثر من 10 أوراق تفصل إشكالات المنظومة الانتخابية وسأذكرها للجهات التي تتبنى الإصلاح الحقيقي وترغب بمعالجة الإخفاقات ولا نكرر ما جرى في الانتخابات الأخيرة.
9. أخيراً قوانيننا الانتخابية لا تصل إلى 20 صفحة فهي غير مفصلة وغير واضحة وهذا يعطي عدةّ تفسيرات، والذي من شأنه أن يجعل الفاعل السياسي المتنفذ يعتمد التأويل الذي يخدم مصالحه، وهذه من أكبر الإشكالات في الانتخابات والمتمثل بوجود أشخاص وأحزاب فوق القانون وخارج المساءلة.
*سعد الراوي*