انا من الذين يدعمون بقوة استذكار الامام الحسين وثورته كل عام، بل على طول العام. ذلك لان عملية الاستذكار كفيلة باعادة بناء المجتمع على الاسس “الاصلاحية” التي ثار الامام الحسين من اجل ارسائها في المجتمع. وما زالت هذه الاسس صالحة رغم تطاول الزمان، وهذا احد اسرار استمرار الثورة الحسينية في الذاكرة الشعبية لمحبي الحسين.
واذا كانت ترافق عملية الاستذكار بعض الظواهر السلبية، فهذا ليس سببا كافيا للتخلي عن الاستذكار حيث انه يمكن دائما معالجة الظواهر السلبية، مهما كانت، بالتوعية والتثقيف والارشاد. واما الذين يتأففون من هذه الظواهر السلبية دون التأكيد على التمسك باستذكار الثورة يتمتعون بقصر نظر وسوء فهم لا يحسدون عليه.
فنحن عندما نتذكر الإمام الحسين، نجد في قصته وثورته مجموعة من القيم العظيمة التي تستحق أن نحلم بإعادة بنائها في المجتمعات الإسلامية المعاصرة. قامت ثورة الإمام الحسين على المبادئ الأخلاقية والقيم الإنسانية السامية، مثل العدالة والحرية والكرامة والشجاعة والتحمل والمقاومة والتضحية. هذه القيم أصبحت قوة دافعة له ولأتباعه للوقوف في وجه الظلم والطغيان.
وفي حقيقة الأمر، يعود استذكار وتجديد هذه القيم النبيلة إلى أهمية تنمية ووضع قواعد السلوك والأخلاق المستدامة في الحياة اليومية للمسلمين. إذا استطعنا أن نشجع ونعزز هذه القيم في المجتمع الإسلامي ونتحلى بها بأفعالنا، فقد يكون لدينا القدرة على التغيير والنهوض بالمجتمع.
للأسف، هناك بعض التحديات والعقبات التي تحول دون تحقيق هذا الهدف. فالظروف السياسية والاجتماعية في العالم الإسلامي قد تكون عائقاً أمام ترسيخ هذه القيم والعيش وفقها. ومع ذلك، من الضروري أن ندرك أن النهضة الحضارية لا تأتي من الخارج فقط، بل تكون تغييرًا شاملاً يحدث داخل المجتمع المسلم نفسه.
إعادة بناء نسيج القيم التي دفعت الإمام الحسين إلى الثورة يتطلب التفكير بعمق في معنى هذه القيم وتطبيقها في حياتنا اليومية وفي مجالات متعددة. ينبغي أن نسعى لتعزيز العدالة الاجتماعية والمساواة وحقوق الإنسان، وأن ندعم الحرية الفردية وحقوق المرأة وحقوق الأقليات. يتعين علينا أيضًا أن نتحلى بالشجاعة والتحمل في وجه التحديات والمصاعب، وأن نمارس التعاون والتضامن والإحسان في محاولة لخدمة مصالح المجتمع ككل.
يعتبر إحياء ذكرى الإمام الحسين وتعزيز القيم التي قاتل من أجلها فعلاً طريقًا حقيقيًا نحو النهضة الحضارية في العالم الإسلامي. إن أفضل طريق لتحقيق ذلك هو أن نتعلم من قصة الإمام الحسين وألفته ونشجع أنفسنا والآخرين على التحلي بالقيم النبيلة التي تنبع من ثورته. ومن خلال اعتماد هذه القيم في حياتنا اليومية، يمكننا بناء مستقبل أفضل للمسلمين والعالم الإسلامي بأسره.
كثيرا ما ذكرتُ في مقالاتي السابقة ان المجتمع العراقي يعاني من خلل حاد في المركب الحضاري ومنظومة القيم العليا الحافة به. واذا كانت العناصر المادية في المركب الحضاري ، وخاصة الانسان والارض، متوفرة، فان الخلل الحاد يتركز في منظومة القيم الحافة بهذه العناصر، وهذا ما ادى الى القصور الحضاري (اي عدم الانتاجية) للمركب الحضاري. ولذا يصح القول دائما ان الحل يتمثل في اصلاح الخلل الحاد في المركب الحضاري، وخاصة منظومة القيم العليا.
وعليه، فإذا كنا نرغب في تعزيز القيم التي قام الإمام الحسين على أساسها، فأن الطريق الأمثل لتحقيق النهضة الحضارية في العالم الإسلامي هو أن نعمل على تطبيق هذه القيم في حياتنا والعمل من أجل العدالة والحرية والكرامة للجميع. إنها مهمة طويلة وصعبة، ولكن إذا استلهمنا من قصة وتضحية الإمام الحسين، فقد نحقق نجاحًا كبيرًا في هذا السبيل.