كربلاءكل الاخبارمقالات

زينة وخزينة… الذهب بين أجور الصياغة والغش

بعد اعتماد رئاسة الوزراء مشروع التحول إلى الأتمتة لم يكن الذهب حديث الوجود في تاريخ البشرية، اذ رافق الانسان منذ النشأة الاولى في باطن الارض الى حين استخراجه؛ وتفنن الانسان في التعامل به في شتى المجالات فقد ارتبط هذا المعدن الثمين لندرته ونقاوته؛ بالآلهة والحكام والملوك، ولم تستغن عنه البشرية في حياتها وتعاملاتها به على مستوى الفرد والدولة، فهو قد تربع عن جدارة على رؤوس الاباطرة والملوك والامراء، وأصبح مقياسا وعنوانا لقوة ومنعة الممالك والامبراطوريات فكان نقمة على بعضها لطمع الاقوياء بالاستيلاء عليها، ونعمة لأخرى لمساهمته في تطورها وتقدمها.
معدن تقلدته صدور الرياضيين والمحاربين!!، لا بل زرعه الانسان في جسده علاجا وتجملًا، واتخذه كتّاب الملوك حبرا لكتابة السير والمرويات.
دخل اسمه في كل مجالات المعرفة والادب والفن واللغة، فلا يوجد كتاب مقدس الا وذكر به، ولا تخلو قصائد الشعراء والأناشيد من اسمه ووصفه مدحًا وذمًا، حرمته اديان ومذاهب، واباحته اخرى، واختلف فيه الفقهاء تفصيلا، ذكره الفلاسفة وتداولته الامثال والحكم، برعت اللغة في تسمياته؛ (العسجد، الأصفر، البرق، التبر، النضار، الجوهر، الإبريز).
استخدمته الامبراطوريات والدول كعملة نقدية أصيلة ثابتة القيمة، حُددت له الاوزان العالمية لضبط قيمته فكانت الاونصة (٣١ غراما) تقريبا هي المتداولة في اعلان وتقييم سعره عالميا.
أما وزن المثقال فهو (خمس غرامات)، والغرام (خمس حبات) وهذه تعد جزئيات للوزن بيعا وشراء محليا.
أصبح الذهب معيارا (قيميا) وغطاء للسلع والمعادن والعملات الورقية في العالم، له اسواقه و(بورصاته) ووسائل اعلام خاصة به..
العراقية وزينة الذهب

هذا المعدن النفيس ارتبطت به المرأة العراقية بشكل كبير فكان معها منذ الطفولة (ترچية ذهب) الى كبرها في السن (چلاب في الشيلة) ومرورا بمراحل عمرها بين (الترچية والچلّاب)؛ تتفرد مرحلة الزواج بوجوده، ولايمكن ان تتم دون حضوره في (النيشان) او (المهر) فهو سيد متطلبات الزواج دون منازع؛ فكان لها (زينة وخزينة)، فالمرأة العراقية لاتترك فرصة دون ان تشتري -حسب مقدرتها وتجاهد في ذلك – قطعة منه وان كانت صغيرة تدّخرها مع أخياتها (القطع الاخرى) التي ربما تصوغها – يوما ما – جميعا او تحولها الى قطعة كبيرة، ولها في (وكت العازة) خير سند ومعين.
وما يشغل المرأة حين الشراء هو قيمة الذهب الاصلية، وحساب اجور الصياغة الذي يختلف بين صائغ وآخر.

أجور الصياغة بين المستعمل والحديث

يقول الصائغ (فارس حميد الكربلائي):
نحن نبيع الذهب حسب نقاوته والاشهر في السوق تداولا في البيع والشراء هو ذهب قيراط (٢١) والقيراط ليس وزنا، لكنه مقياس درجة النقاوة للمعدن، اما سعره فهو يرتبط بالسوق العالمية (مثل الدولار) ونحن لا نأخذ زيادة كبيرة على السعر العالمي المحدد والمعروف، وربحنا الاساس يكون في اجور الصياغة عند البيع، وشراء المصوغات دون اجور عند الشراء.
ويضيف حميد الكربلائي؛ الذهب نوعان، الذهب المستعمل (الخشالة) والذهب (المصاغ) حديثا، والفرق هو في اجور الصياغة فقط؛ وليس في نوعية الذهب، فالذهب الجديد اجور صياغته تتراوح من (5 – 7) الاف دينار عراقي للغرام الواحد فتصبح اجور صياغة المثقال تقريبا35 الف دينار عراقي كحد اعلى، اما الذهب المستخدم فاجور صياغته اقل وتبلغ من ألفين إلى ثلاثة آلاف وكحد اعلى (15) الف دينار عراقي للمثقال الذي يساوي خمسة غرامات؛ وهذا المبلغ ليس محددا؛ انما يتفاوت مبلغ اجور الصياغة (الكلي) حسب حجم ونوع وقيراط القطعة الذهبية.
وعن الغش في سوق الذهب يقول؛ ان الغش مهنة المحتالين والنصابين؛ ويكون الغش (اغلبه) في درجة النقاوة وليس في الوزن او السعر، فاحيانا يشتري الزبون قطعة ذهب على انها قيراط (21) ومختومة بذلك. ولكن الحقيقة هي قيراط (20 او 19)!! والغش لايكون في المعامل انما هو غش منزلي، وكثيرا ما انكشف الغش وتعرض صاحبه الى خسارة كبيرة في ثقة الناس وانتهى عمله في هذه المهنة.
فيما قالت الحاجة أم فيصل (83) سنة:
في زماننا كان الذهب العراقي هو الموجود في السوق ومختوم بعلامة (الثور المجنح) اما الان فقد تغير الحال واصبحت لا أثق بما هو موجود، والى وقت قريب كنت اشتري الذهب الجديد (الخليجي او الاماراتي)، ولكنني تعرضت الى خسارات اثناء بيعه مرة اخرى؛ اذ ان اجور صياغة المثقال الواحد كبيرة تصل احيانا الى (40) ألف دينار عراقي، وهذا يعني انني عندما ابيعه لا أحصل حتى على قيمة وزن الذهب الاصلي دون الصياغة!!! وتكون خسارتي في القطعة التي وزنها خمسة مثاقيل ما يقارب مئتي ألف دينار عراقي!! وهذا مبلغ كبير. لذلك فانا الان لا اشتري الذهب الجديد، او حتى المستعمل؛ ولكنني اشتري ليرات الذهب (العثماني) التي تباع دون اجور صياغة والتي وزنها (مثقال ونصف تقريبا) اذ ان سعرها ثابت عند الشراء والبيع، ان لم يكن أكثر عند بيعها.
لا مفر من الذهب

تقول الباحثة الاجتماعية إسراء عبد الوهاب: إن «للذهب علاقة بالمناسبات، خصوصا في مجتمعاتنا الشرقية، فالفتاة عندما يتقدم لها شاب مهرها يكون بالذهب والمجوهرات، وبعض العائلات يبالغون بطلب الذهب وقد يتجاوز مبلغه إلى ملايين الدنانير».
وترى الباحثة: أن «شراء الذهب للعروس دليل على تثمينهم لها ولعائلتها ويعتمد ذلك في غالبية الأحيان على نسب الأسرة وإمكانياتها المادية ومكانتها الاجتماعية والوجاهة التي تتمتع بها».
وتضيف: أنه «بالرغم من الوضع الاقتصادي السيء مع قلة أجور العمال وغيرها من المشاكل الاجتماعية، إلا أن محلات الذهب موجودة ونشطة وزبائنهم في تزايد مستمر، فلطالما تتواجد نساء وفتيات في محلات الذهب فسوق الذهب رائج»، مشيرة إلى: أن «سر الاهتمام بشراء الذهب رغم سوء الظروف يعود إلى تلك العلاقة القديمة بين المرأة والمعدن الأصفر».
وتابعت إسراء: أن «الذهب كما يقال زينة وخزينة تستطيع المرأة أن تحمله معها أينما ذهبت لخفة وزنه وتبيعه متى ما احتاجت إلى النقد، وبالمختصر فإن النساء يشعرن بالأمان وفي خزنتهن الذهب، ولا ننسى أن الدول والبلدان تحتفظ بالذهب بخزائنها لأن قيمته مرتفعة في الأزمات الاقتصادية والحروب».
قوانين عراقية

بحسب المتحدث باسم وزارة التخطيط العراقية عبد الزهرة الهنداوي، فإن الذهب يدخل إلى العراق عن طريق الاستيراد وعبر المنافذ الرسمية والتي حددها قرار مجلس الوزراء رقم 335 لسنة 2017 وهي مطارا بغداد والنجف من خلال وحدات المصوغات في المطارين الدوليين، حيث يتم فحص الذهب والتأكد من الوزن وأخذ كل البيانات المتعلقة به.
ويصف خبراء في الاقتصاد قانون وسم المصوغات رقم 83 لسنة 1976 المعدل بـ «الممتاز جدا لكن يحتاج إلى تطبيق بشكل حازم من خلال عدم السماح بعمليات البيع والشراء والصياغة إلا من خلال شركات أو محلات حاصلة على إجازة ممارسة مهنة الصياغة، وإجازة ورشة تصنيع الذهب، ومنح إجازة تصفية المعادن».
وقد ألزم القانون بعدم منح إجازة تصنيع أو بيع وشراء المصوغات إلا بعد تجاوز المتقدم الاختبار الرسمي، إلا أن السوق العراقية اليوم مليئة بالمخالفين ممن ليست لديهم إجازة ممارسة المهنة، وهذا أدى لارتفاع عمليات الغش التجاري.

المصدر جريدة صباح كربلاء

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى