في بعض البلاد بعض الناس مثل كتاب العرب ومثقفيهم وملحديهم وسياسييهم ومتدينيهم ولبرالييهم وعلمانييهم وقصاصيهم وروائييهم، ومثل المحبين والأتباع والعشاق، والمولعين بالأوهام والخرافات والأساطير والزيف، إنفعاليون منفعلون، غارقون في الوهم، نساخون لأكاذيب الغرب وملحدي الغرب وأفاقي الغرب بإعتباره نهاية التاريخ، وٱخر الحضارات وأعظمها، فلاتاريخ بعد تاريخ الغرب، ولاقيامة بعد قيامة الغرب، ولاديمقراطية بعد ديمقراطية الغرب، إنفعاليون حد الجنون، مستنسخون حد الفضيحة، سراق حد القطيعة مع التوبة، والعودة عن الضلال الى الهدى.
هم في السياسة أتباع الرجال، وليس المباديء، هم في الدين أتباع المصالح، لا الإيمان بالحقائق، وفي وصف هولاء قال الحسين بن علي : الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم ، يحوطونه مادرت معايشهم، فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون. فهم متعلقون بالدنيا والماديات. والٱخرة عندهم مثل حكاية يرويها عابر سبيل، والموت طعم لم يتذوقوه، ومن تذوقه نسوه، وغادروه الى الإنشغال بالهموم والمعايش واللذائذ والدسائس، وحين يكون الدين تجارة يحوطونه بالرعاية، ويتباهون بالرياء فيه، حتى إذا إبتلاهم الله ببلاء صار الدين عبئا مملا يهربون منه الى اللعب واللهو والمكاسب مهما تدنت.
هم لايقيمون السلوك والأفعال لجهة صلاحها وطلاحها، بل هي جيدة مادام صاحبها معهم ومنهم، فإذا خالفهم ولو جعل سقوف بيوتهم من ذهب كرهوه ونبذوه عنهم، وصاروا يكيلون لهم التهم، ويفترون عليه وينسبونه الى الشيطان، هم لاينظرون الى بلدهم بوصفه بحاجة الى الإخلاص في العمل، والجد في المسعى، وكان حريا بهم أن يقفوا ويتأملوا مايقوم به من عمل وأداء فإذا أصلح، ونجح في إدارة الأمور تركوه ليقوم بواجبه، ويتجاهلون لمن ينتمي من حزب، أو حركة، أو دين، أو مذهب، أو إعتقاد، فالناس بحاجة الى العمل والطعام والرعاية الصحية والكرامة والعيش اللائق، وليس مهما إنتماء من يخدمهم، لكنهم في ذلك لايهتمون سوى لمن ينتم من حزب، أو جماعة، وحري بنا أن نسأل عن أدائه، لا ولائه، والإنصاف يتطلب الدعم والمساندة، فقد إنشغلنا لسنوات بالخلافات والمشاكل، وإذا كنا نرفض هذا المسؤول، أو ذاك لإنتمائه السياسي، فغالب أهل المناصب منتمون لأحزاب ولجماعات، وحين يعملون فجدير بنا أن نراقب أدائهم، ونقيم سلوكهم، ونحاسبهم كموظفين، ولاننظر لهم كقديسين إن كانوا معنا، ولاكشياطين ماداموا مع غيرنا، بل ننظر في إدارتهم للأمور، وحسن تدبيرهم في الحكم، ورعاية مصالح العامة من الناس، والسهر على ضمان مصالح بلدهم وشعبهم المتطلع الى التغيير.
في بلد ما كان رئيس الوزراء جادا في عمله، منشغلا بتنفيذ مشروعات مهمة، ولكنه حسب على جهة ما، فلم يشفع له عندهم حسن أدائه، وسعيه في مصالح العامة، وإتمامه لمنجزات كبيرة منتظرة، ولأنهم يرونه على دين ٱخر فقد صرخوا: إشتموا رئيس الوزراء فقد كفر، وتناسوا أن بلادهم تقوم على الخلاف والإختلاف، وتعدد الأمزجة والأهواء، فإذا كان رئيس الوزراء من جهة ما تعرض الى الحرب من بقية الجهات، ونعت بالسيئات والموبقات، والخروج عن الملة، وإذا كان المعيار معيار الولاء فلن تقوم لنا قائمة فالمختلف عنا هو منا، وليس طارئا علينا.