كربلاءكل الاخبارمقالات

لا تسعى للمثالية، استمتع باللحظة الان

نور عبد الرزاق

إني مُنهك ومُشتت وأشعر بالتعب وبكلِ شيء يبعدني عن التركيز أميالا، لا بل ملايين الأميال… ربما العديد منا يتحدث مع نفسه بهذا الحديث بين الفينة والاخرى، هذا الشعور غير المتجانس الذي لا نستطيع تحديد مصدره لشدة تبعات الحياة ومتطلباتها ومهامنا اليومية وحقوقنا وواجباتنا فلا نجد الفرصة والوقت الكافي لمجابهة وايقاف تلك الخلجات، تلك الخلجات ما هي الا خلجات طبيعية تأتي بشكل تلقائي مع ما يسمى (بالجري وراء المثالية) في أغلب الامور، وكأنك تبتاع سلعة تُدعى (المثالية) فتأتي معها هذه الخلجات بالمجان.
لنأخذ برهة من الوقت ونفكر لأي سبب نشعر بالإرهاق والسعي لطلب المزيد من كل شيء سواء أكان معنويا او ماديا بلا تعب او ملل، ما هو السبب الرئيس من وراء ذلك بدءا من علاقاتنا التي اتخذت منحى آخر من المجاملة التي لا تخلو من الرياء لأجل الظهور بمظهر الإنسان الرائع المحبوب إلى الابناء وتربيتهم التي أجهدنا أسماعنا بكل ما هو متعلق بها ما جعلنا ننتبه بأنا غير مثاليين عندما نقارن ذواتنا بالمربين المثاليين الذين ينبغي ان نكون منهم ومثلهم.
ان التلاشي في العمل سواء بداخل البيت او خارجه وكأن العمل سيتلاشى وينتهي بمجرد إكمال واتقان جزء منه والسبب المهم وراء ذلك هو عدم قناعتنا بمستوى ما قدمناه وان كان جيداً بل نعمل على السعي للحصول على المزيد والاكثر لعلنا نبرز اكثر ونتميز اكثر وبذلك كله نسينا أنفسنا ولم يقتصر هذا فحسب وانما تعداه الى نسيان الذين من حولنا ايضا فبذلك اضعنا ذواتنا واحباءنا دون أن ندرك السبب المجهول وراء ذلك.
أنا أؤمن بمقولة (إذا لم ترضَ بشيء سوى الأفضل فسوف تحصل عليه) لكن فاتك شيء مهم ألا وهو الافضل والجيد بالنسبة لطاقتك انت لشخصك انت لصبرك انت، فأنت لن تطلب من اي شخص ان يغير مسار حياته ويصحح اخطاءه ثم تقوم بوضعه امام أُطر فنطازية لكيانه الجديد الذي لا تمت بأي علاقة لكيانه القديم وتطلب منه ان يتغير لكيانه الجديد في ليلةٍ وضحاها وكانك تطلب من شخص يعشق الطعام أن يبدأ بحمية وتلاحظ الفرق عليه خلال يوم واحد!!! لن ينجح الامر بل على العكس تماما سوف يزداد تعقيدا لما سيترتب عليه من شعوره بالاحباط والنظرة الدونية لنفسه لعدم قدرته على تحقيق ما يريد فهذا ما يسمى بالعجز الذي اعطاه لنفسه دون ان يشعر وبدون وعي وإدراك. ربما تربية ابائنا على المثالية أمر ليس بصحيح لأن المثالية المفرطة متعبة جدا فبها ينشأ جيل على المثالية وعندما يكبرون يصطدمون بمجتمع وواقع لا يمت من قريب ولا من بعيد للمثالية بصلة فيتعبون ويتعب من يعاشرهم فيعود ذلك بالسلب عليهم اكثر من الايجاب. وربما ايضا يُصاب البعض بأمراض جراء مثاليتهم المفرطة وعندما تأتي لتكشف اسباب ذلك تجده مرضا نفسيا اكثر من كونه عضويا، فالمثالية في بعض الاحيان تصحبك الى امراض الضغط والسكر ناهيك عن التجلطات التي تحدث بسبب التفكير الزائد والعصبية على امور عقيمة لا حل لها فلا تُحمّل نفسك أمورا فوق طاقتها بالضغط عليها اكثر مما هو مُعتاد أرحمها ترحمك. كل ما قد سبق ليس معناه أن تكون شخصا عبثيا فوضويا ولا تعني المثالية لك شيئا ولا ان تعيش حياتك بالطول والعرض دون اهداف او تخطيط مُسبق لها ومن دون تحقيق نجاحات على جميع الأصعدة لكن كن مثاليا بالحد الذي لا تسمح للفشل والتقاعس ان يدنو من اعتاب حياتك وذلك من خلال تصحيح اخطائك ان وُجدت والمثابرة الدؤوبة.
عاهد نفسك ان تكون أفضل اليوم وغدا وحاول ان تكون أفضل من نُسخك القديمة، تَغيّر بالحد المسموح فهذا ديدن الناجحين واقفز بهدوء وتأن نحو تحقيق سعادتك فالقليل أفضل من الحرمان.
ان تكون مثاليا بالحد المعقول فهذا يعني ان تعيش حياتك متصالحا مع ذاتك نعم إخطأ تعلّم صحّح فالعثرات هي من تصقل شخصيتنا هي من تعطينا دروسا وعبرا لمجابهة ما يعترينا من تقلبات الحياة ولما نعطيه من خلاصة تجاربنا لأولادنا واحفادنا واصدقائنا وكل من يحتاج من بعدنا. ان لا تكون مثاليا بالمعنى العميق اي ان تحب و تقدر ذاتك كما هي على الرغم من حاجتك في بعض من الاحيان لان تكون نسخة افضل مما انت عليه، نعم لا اخفي عليك الكل يحب الكمال في كل شيء وان يملك كل ما يتمنى من مال وصحة واولاد وعمل ووووو وقائمة لا تنتهي من الامنيات ولكن هذا محال . ان تكن مثاليا بالحد المقبول والمعقول من شأنه أن يجعل منك شخصا مرنا وهذه احدى مقومات النجاح، مرن في تجاوز الصدمات، مرن في تحمل الألم، مرن في تقبل الفشل، مرن في مسيرة حياتك ومحطاتها فلا يستوقفك امر و لا تركز على ما لا يعنيك، مرن في مجابهة الصعاب فلا تقدرعليك ولا تستطيع ان تحنيك وتعرف متى وكيف توقفها وتركنها جانبا وتواجهها، مرن لان تعرف متى تتعلق ومتى تترك، تعلقك وتركك سواء للأشخاص او لأي شيء آخر.
سر ولا تنظر الى الوراء والى ما قد رحل من فشل وألم فالله هو الرحمن الرحيم، ألا تكون أنت رحيما بنفسك لذا تصالح مع نفسك وأرحمها وكن لها عونا لتحقيق الافضل والأجمل في كل شيء.
وكما قال ابراهام لينكولن (رئيس سابق للولايات المتحدة الأمريكية) “أنت لا تفشل إلا عندما تتوقف” وهذا معناه ان لا تبالي بالفشل وان تحاول مرة واثنتين وثلاثا الى ان تصل للنجاح وعندما تنوي الوقوف فهو لإعادة شحن بطارية طاقتك وترميم نفسك وبعدها تنهض لمحاولة جديدة اخرى ولا تتوقف إلا ان تصل لمبتغاك في الحياة، سر ولا تكن مثاليا وستنصدم بأنك اصبحت تعطي اكثر وتنجز اكثر وانك استطعت ان تتغير نحو الافضل بسرعة مقبولة، قم بتكسير القيود التي اوهمتك بأنك لا تستطيع تحمل الحياة وما تحويه بصدر رحب. حب نفسك. أرض بما لديك وان كان قليلا. وأستمتع باللحظة (الآن). وسترى انك تسبح في واحاتٍ غنّاء بالحب والعطاء.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى