كل الاخبارمقالات

تعليم الجريمة

بقلم: صبيح المرياني

 

تعمدُ بعض القنوات التلفزيونية ، وبدافع الرغبة بالانتشار وجذب المشاهدين إلى عرض برامج تميل إلى الطابع الإجرامي الذي يستميل الناس لمعرفة تفاصيل الجرائم ويستغل فيهم حب الاستطلاع هذا ، إذ يعتمد مقدم البرنامج على التنسيق مع أحد الاجهزة الامنية المعنية بالجريمة ، بهدف السماح له بسرد وقائع جريمة معينة ارتكبها شخص أو أكثر ، ويتم تصوير الجريمة بالتفصيل الممل من لحظة التخطيط لها إلى لحظة التنفيذ ، ومن ثم طريقة إلقاء القبض على المجرم او العصابة، وتنجح تلك البرامج في أحيان كثيرة في شد انتباه المتابعين، وترفع فيهم مقدار المعرفة بتفاصيل وقضايا الجريمة وتحقيق العدالة ، وقد تسهم في أخذهم الحذر من الطرق التي تعتمدها عصابات الإجرامية ، ومن ثم تحصين أنفسهم ومنازلهم من خطر هذه العصابات كما حصل لدى كثير من المواطنين الذين حرصوا على نصب كاميرات المراقبة في منازلهم ومحلاتهم التجارية، وتلك إجراءات أمنية بادر بها المواطن ، وهي بالتأكيد لم تأت من فراغ ، وهو أمر ساهم بالنتيجة في إلقاء القبض على العديد من المجرمين في حالات كثيرة، وطالما اختصر المواطن بهذا الإجراء طرقا كثيرة كان يجب على المحققين أن يتخذوها وأن يقوموا بجهود كثيرة تحتاج وقتا أكثر اختصرها المواطن بإجرائه هذا ، ويمكن كذلك أن ينتفع بعض المختصين من هذه البرامج ، ومنهم المعنيون بعلم النفس الجنائي وتحليل الجرائم ودراسة شخصيات المجرمين ، ومن هذا نعرف أنه بالإمكان أن يدخل محتوى هذه البرامج في صلب دراساتهم البحثية فيكتبون التوصيات للحد منها مستقبلا.
وفي مقابل ذلك يجب أن لا تغفل هذه القنوات التلفزيونية الآثار السلبية التي تؤثر فيها هذه البرامج على المجتمع ، في حال تم عرضها بشكل غير مسؤول ، سيما وأن من يشاهدها يمكن أن يكون طفلا او مراهقا او شخصا يعاني من مرض نفسي معين فتؤثر مشاهدته لتلك البرامج في زيادة القلق والخوف لديه نتيجة عرضها بشكل مفصل وواقعي.
ويمكن أن تسهم هذه البرامج أيضا في الترويج للعنف والجريمة وتجارة المخدرات وإدمانها في الوقت ذاته، وفي حالات أخرى قد يعتمد البرنامج على إظهار صورة المجرم فيحصل التشهير به ، ما ينعكس سلبا على وضع ومكانة عائلته في المجتمع ، وهي بالتأكيد لا دخل لها في ارتكابه لجريمته ، فيلحق بها الأذى النفسي والمجتمعي، لذلك يجب على الوسائل الإعلامية أن تأخذ في الاعتبار الآثار الاجتماعية والنفسية في حال قررت عرض مثل هذه البرامج ، وأن تتبنى معايير أخلاقية مناسبة للجمهور باعتمادها على مختصين في علم النفس والاجتماع قبل عرضها للناس ، كي لا تكون هذه البرامج مصدرا من مصادر نشر السلوك الإجرامي في مجتمعاتنا.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى