ربما بقصدية معلنة يحيلنا الفنان مهدي هندو مُخرِجا الى المدرسة التعبيرية كتشكيل صوري في العرض المسرحي المونودرامي (مليء بالأوجاع)..
كثيرٌ من المسرحيات العراقية تميل الى التعبير الصادق كتوظيف للنص والعلاقة بين الممثل والازياء والاضاءة.. ربما هي عودة أو حنين الى المكانات الخفيّة والازمنة المفقودة والمؤثرة على تاريخ الانسان المحلي كسبب من الاسباب السياسية التي مرّ بها البلد. وفعلا نحن آلان بحاجة الى هكذا مسرحيات بمحتوى عميق من التعبير الذي يخلق للمتلقي تفاعلا وتحريك لدواخله ربما تنشط من وعيه الى الرفض من كل ما هو غير انساني..
العرض المسرحي (مليء بالأوجاع) بأبعاد المسرح الصغير كان عبارة عن لوحاتٍ متتالية غير مكررة كان الممثل البارع الفنان ياسر السيلاوي الذي ادهشنا بأدائه المتحرك.. كان يرسم لنا شكلا من أشكال التعبير الأدائي. كلوحات مرسومة بإتقان تمازجت بين الضوء والديكور المتناثر كسينوغرافيا رائعة..
لو عدنا الى المدرسة التعبيرية أو التعبيرية التجريدية لوجدنا هذه التسمية ربما كانت تحمل نوعا من الغرابة الا أن محققيها بذلوا جهدا كبيرا لاستمرارها ولكونها جاءت ردا على الانطباعية فهي بالتالي مدرسة العصر، في المجتمعات المتأثرة بالفقر والألم تظهر المعالم الحسية مرة على الملامح والصوت والأداء البشري وحتى الوظيفي تظهر وبشكل مفرط ولذلك كان هندو ذكياً في ابراز وتحريك الممثل في الاتجاهات المتغيّرة واظهار تونات التأثر البشري وهلوسة الحياة حد الجنون…. كان رفضا واضحا ومتقنًا لأداء الممثل البارع السيلاوي، ظهرت النزعات المترادفة التي استمرت حتى الاختتام بصرخة عالية مؤثرة حد الوجع..
هندو دائما يدهشنا بتفصيلة جديدة فهو البارع ولي معه تاريخاً طويلاً حيث دائما أكون معه كمصمم ومنفذ للديكور.. أو تفصيلات أخرى.. وله من الاخراج حظوة كربلائية كبيرة بين الوظيفة أو خارجها وحصد كثيرا من الجوائز وآخرها مسرحية الهروب كأفضل إخراج.. التشكيل على المسرح هو تصرف علاجي للأداء أو توازن بين الممثل وتحركاته على المسرح وبين ما تبقى من إضافات متلازمة.. ولأن المسرحية مونودراما كان على المخرج أن يحسب بدقة الفضاءات والتراكبات التي ربما تسبب ضررا في تشكيل المكان بصريا.. فضلا عن اللون وهو القدرة البالغة بين الضوء والازياء وحتى كل ما يسكن على المسرح كسينوغرافيا. وضعنا هندو في التنقل بين خامات المسرح للمتابعة كمتلقين مندهشين.. الانارة كانت محسوبة بشكل متقن توظيف رائع، شكلت الموسيقى خامة أخرى لدعم الأداء وانتشار كائنات على المسرح شكل عمقا تراجيديا مذهلا.. وللشاعر موفق محمد مأثرة أخرى. ما زاد من خلجات وتأثرات المشاهد هي قصائد موفق محمد هو الشاعر البلاغي والشعبي على حدٍ سواء.. لقد وظف المبدع مهدي هندو الوزني قصائد الكبير موفق محمد بشكل تعبيري حيث بدأ العرض المسرحي بقصيدة (لا تيأسن يا حسن) عن طريق بثها بتقنية الداتاشو لفيديو حمل أوجاع العراقيين الواضحة تعابيرها في وجوههم والمدعمة بصوت الكبير موفق محمد وما بين التعبيرية التشكيلية بلاغة أخرى شكلها موفق محمد ومهدي هندو الوزني كمهندسين كل يبني لبنة لهذه اللوحة، المسرحية الرائعة.
المصدر جريدة صباح كربلاء