حياة مدينة، كربلاء من 1920م الى 1990م كتاب من تأليف الباحث حسين احمد الخضير الامارة، يقع الكتاب وهو من القطع الكبير على (519) صفحة ومن إصدارات ومنشورات احمد المالكي في العام 2022م تصميم احمد حسين.
زين غلافه الامامي بصورة فوتوغرافية مزدوجة، الاولى لاحدى محلات سوق الصفافير وهو سوق مسقف تبرز معالمه للقادم من طرق النحاس، وأخرى تشير لمحلة من محلات كربلاء القديمة التي تمتاز بطرازها المعماري؛ خصوصا المدن الدينية اما صورة الغلاف الخلفي فاختار صورة لمقام صاحب الزمان وقبته التي تظللها النخلة الباسقة بسعفها الأخضر واليابس والمطلة على نهر الحسينية.
واسوة بكل المؤلفين وثق الباحث شكره وتقديره لكل من أسهم في تقديم يد العون والمشورة، تلي هذه الديباجة اهداء لمن يحظى بودهم من عائلته.
يتناول الباحث في مقدمة قصيرة، اهم الخصال التي يتمتع بها المجتمع الكربلائي لتلك الحقبة من حياة الناس في أحدى عشرة نقطة ابتداء من اختلاف الزمان باختلاف رؤية الناس، وانتهاء بالطاعة المطلقة لولي الامر فهو من يتكفل بعيش العائلة ورعايتها ويسهر على سلامتها. يعتمد الكاتب في سرد تفاصيل الحياة اليومية على ذكرياته الشخصية مستندا في كثير من الأحيان على طريقة السرد القصصي.
محتويات الكتاب تقع في فصلين:
الفصل الأول/ يتناول في التعريف الجغرافي والتاريخي لمدينة كربلاء ويتضمن أربعة وخمسين مشهدا يصف بدقة وبتفصيل المواكب الحسينية في المركز، والمواكب الحسينية لأطراف مدينة كربلاء كما يتحدث عن المقامات منها مقام الامام مهدي المنتظر ومقام الامام جعفر الصادق واهم الزيارات كزيارة مشهد النجف ومشهد الكوفة وزيارة احمد بن هاشم والكاظمية والملوية واشياء أخرى تتعلق بحلوى الزردة وزفة العروس في ليلة برد الخ.
الجميل في الامر، ان الباحث يأخذنا في سياحة جغرافية يذهب بنا الى الجذور في كل مشهد يتناوله معتمدا المصادر؛ كان تكون عبر المقابلات او مع اشخاص عاشوا الحدث او شهدوا بناءه، او احياء طقسه ولا بأس من الحديث عن مقام صاحب الزمان الذي له وقع ومكانة في نفس العائلة الكربلائية وزوار المدينة القادمين من الفرات الأوسط او الجنوب لأحياء هذه المناسبة الكبيرة فهو يقول عنها:
(ففي أيام شعبان ذكرى الولادة الميمونة للأمام الحجة في الخامس عشر من شعبان تقام الاحتفالات وتوقد الشموع، فكانت النسوة جداتنا وامهاتنا من سكنة المحلة والمحلات المجاورة يجتمعن عند المقام عصرا لأحياء الذكرى وقراءة القران والاشعار والبستات بحق اهل البيت بعدها يقمن بتوزيع الطعام على الموجودين).
الجدير بالذكر، ان المقام يبعد عن الحرم الحسيني بحدود 700 متر ولم يعلم السبب الرئيسي الذي أنشئ على ضوئه هذا المقام المكون من مصلى تعلوها قبة طليت باللون الأزرق من الخارج والى الجنوب شيدت غرفة للنساء وتجاورها غرفة اتخذت مكان إقامة خادم المقام.
قلعة البردويل وأصلها
في المشهد رقم 12 يأتي ذكر قلعة (البردويل) والتي لم يسمع الكثير من القراء عنها حيث تقع في الجهة الغربية من مرقد السيد احمد بن هاشم، وعلى بعد بضعة كيلومترات داخل الصحراء الغربية باتجاه منطقة الرحالية والتي يعتقد انها تعود الى العصر المسيحي ومنها من يدعي أصلها الى الحاكم اليهودي البردويل الذي سكن وحكم المنطقة وكان ذلك قبل ظهور المسيحية.
أيضا يمكن الحديث قليلا عن المشهد 47 والذي فيه جرد لاهم المقاهي في كربلاء والتي لكل واحدة زبائنها مثل مقهى البلدية التي تقع على الضفة اليسرى من نهر الحسينية، ومقهى الحاج جواد أبو شمطو ومقهى جليل فارس ومقهى حميد الصيدلي ومقهى عباس النصراوي وهي ملتقى شباب المدينة من الفنانين والادباء والرياضيين والسياسيين بمختلف انتماءاتهم. وهناك مقاهٍ أخرى لم ترد في الكتاب مثل الصراف القريبة من مكتبة الأهالي. ومن الشواهد التي عرفت بها كربلاء بناء الاطواق حيث يوجد أكثر من تسعة اطواق منها على سبيل المثال طاق الزعفراني وأبو لبن وعكد الحجية وطأك الداماد الخ، وأهمل هذا الأثر التاريخي المهم ومعه الكثير من الشواهد في عين التمر.
المهن والصناعات والحرف
الفصل الثاني/ وهو يختص بالمهن، والحرف والصناعات والمأكولات الشعبية التي اشتهرت بها المدينة وقد اشتملت على سته وخمسين مشهدا، في هذا الفصل جرد الباحث أكثر من اثنتين وأربعين حرفة منها سبيل المثال العلوجي والدنكجي ومعامل الكاشي الكربلائي وبناؤوا القباب والمبيضجي والولادة والختان, وعند كل مشهد يقف امامه يصف ادق تفاصيل المهنة والتي تميزت بها كربلاء عن غيرها وهي التي اشتهرت بها مثل النسيج كمعمل اليشماخ والجواريب والمناشف والمحارم واغلب هذه المعامل أهلية وليست حكومية وابرزها معمل نسيج ال لطيف ومعمل نسيج الإيشاربات وفوط باب السلالمة ومعمل جواريب الطاووس ومعمل العراق لليشماغ لمالكه الحاج صبري الكمبر. ومن المفيد القول ان عملية الحياكة تحتاج الى خبرة متراكمة ومهارة عالية وصبر واناة من قبل الحائك لإنتاج القطع المطلوبة وكان لبعض من العوئلات المنتسبة لعشيرة النصاروة؛ السبق والريادة في هذه الحرفة وأكثر هؤلاء الحياك اتخذوا من الخان الذي يسمى الكرخانة الواقع في باب السلالمة والأماكن المجاورة لها قبل فتح شارع السدرة مشغلا لهم؛ المؤسف جدا لم يعد لهذه (الجوم) والمعامل مكان فجميعها تركت ولم تعد تنتج وأصبحت خرائبا.
من الموضوعات الشيقة التي درسها الباحث في كتابه القيم هو الفن التشكيلي في المدينة التي قدمت أسماء لامعة للمشهد الثقافي العراقي في مقدمتهم الفنانة بهيجة الحكيم ود. شوقي الموسوي وفاضل ضامد ومنصور السعيد وفاتن الجميلي والعشرات. ولايمكن أيضا ان نغفل عن ان كربلاء فيها خطاطون برعوا وعلى مستوى عال من الحرفية ومعرفة متقدمة في فن الخط العربي منهم الخطاط صادق ال طعمة وعادل الموسوي واياد زيني وياسين الكرعاوي. كما عرفت كربلاء بفن الكرافيك وهو فن الطباعة اليدوية التي تعمل على الزنك او السكرين وقد اشتهر بهذا النوع الفنان صاحب احمد الذي نال شهادة الماجستير من الولايات المتحدة الامريكية.
ومن مشاهدات الكاتب رؤية حافلات الزائرين القادمة من الهند والباكستان يقول:
– كنا ننظر باعجاب على جمالية الفن الكرافيتي الواضح على محيط الحافلة والذي يعكس ملامح الحياة كالأشجار والطيور والسماء والانهار وكأنها لوحة تسير على الطريق.
الكتاب تميز أيضا بجمال الصور التي رافقت معظم المشاهد التي تم استعراضها واضافت متعة أخرى للقارئ والمتابع للحياة اليومية وأيضا للدارسين والتي تعكس أيام زمان اقتصاديا واجتماعيا والتي تظهر حجم الفقر والعوز وترسخ عادات وتقاليد بدائية سائدة.
استمد الكاتب حسين الامارة مصادره بالاعتماد على أكثر 21 مصدرا.
أبرز تلك المصادر:
– كربلاء في الذاكرة لمؤلفه سلمان هادي ال طعمة
– كربلاء الحضارة والتاريخ لمؤلفه الدكتور رؤوف الانصاري.
– لمحات اجتماعية للعلامة على الوردي.
– العراق كما رسمه المطراقي زادة للدكتور عبد السلام رؤوف.
الصفحة الأخيرة
صورة المؤلف حسين احمد الخضير الامارة وهو من مواليد 1953 م كربلاء محلة باب السلالمة حاصل على شهادة البكالوريوس تربية رياضية/ جامعة بغداد.
شغل منصب رئيس قسم التربية الرياضية في معهد اعداد المعلمين.
ان كتاب حياة مدينة يعد إضافة مهمة ووثيقة في حفظ تراث الشعوب ولا شك ان من يقرأه سيشعر بالمتعة وهو صورة الأجداد وهم يكدحون ويكدون ويفرحون ويحزنون عبر رحلة جميلة
المصدر جريدة صباح كربلاء