هذه وقفة مع المنظمات وفرق الفئات ذات القضايا المشتركة ودورها في تعزيز المشاركة في الحياة العامة. الجميع يتنبه باستمرار لدور منظمات المجتمع المدني والفرق التطوعية في القطاعات الأكثر حركية ومشاكسة مع المؤسسات الحكومية، خصوصا من يعمل منها في مجال الحريات والحقوق وقضايا المرأة والمساءلة وغيرها من القضايا الجدلية؛ التي تثير نقاشا مجتمعيا في الفضاء العام، الا ان المنظمات والفرق التي تهتم حصرا بالفئات ذات القضايا المشتركة في السياقات الأخرى، بالحقيقة توفر مساحات مهمة في المجتمع وتخلق جوا من المشاركة في الحياة العامة بشكل مثير للاهتمام، فمنظمات تعنى مثلا بـ ( ذوي الاعاقة، المصورين، الباحثين في المجال الإعلامي، قصار القامة، تجمع عشائر فلان، تجمع معدلي السيارات … الخ )، هذه الفرق والمنظمات شهدت في السنوات الأخيرة اقبالا على التسجيل في دائرة المنظمات غير الحكومية التابعة للأمانة العامة لرئاسة الوزراء بشكل كبير، وحقيقة هذا الاقبال يحتاج لوقفة وتمحيص.
تحدثنا الى احد مؤسسي منظمة تجمع لجرحى العمليات الإرهابية في بغداد، وبين لي بشكل يملؤه الحماس والقوة، ان تجمعهم كان لحظة فارقة في حياته الشخصية، وتحول مهم في نشاطاته وتواصله، إذ اكد لنا ان الجرح الذي تعرض له نتيجة عبوة لاصقة قد افقده جزءاً مهماً من جسمه، كما انه دمر نفسيته وابعده عن المجتمع طيلة اشهر، وقد اعتكف لمدة طويلة عن عائلته وأصدقائه، ويواصل قائلا: “ان الامل في اكمال الحياة قد انتهى في نظري، لكن هذه المجموعة المنظمة والفعالة رصدت حالتي وسحبتني لساحتها في نشاطات اجتماعية وسياسية وفكرية، وانتهينا بعد عمل جاد وطويل الى تأسيس هذه المنظمة”.
ان العيش مع مجموعة تشبه تفكيرك او وضعك، لا توفره الا التجمعات الاجتماعية غير الحكومية، إذ يلتقي الأعضاء في مؤتمرات وتدريبات ووقفات ولقاءات مختلفة، ويتجمعون في كروبات مادية وافتراضية ليتحدثوا ويطلقوا ما في صدورهم من هموم ومشكلات واحزان وافراح، كما انهم يشكلون ثقلا مهما في مساعي تعديل القوانين والتعليمات والقرارات الصادرة بحق فئتهم، وهذا يشعرهم بالحياة والتأثير والكينونة، كما يزداد اشعاع الامل في نفوس هذه الفئات عندما تستلم شهادة التسجيل في دائرة المنظمات غير الحكومية، وهذا يفرض دعم الدائرة وتبسيط إجراءاتها وزيادة تفاعلها مع الشباب والمنظمات والفئات، لأنها تمثل بوابة من بوابات اهتمام الدولة والنظام السياسي بالفعاليات المجتمعية، نضيف الى ذلك ان تلك النشاطات والفرق والمنظمات هي فاعلة أصلا، والعراق يشهد المئات من النشاطات المدنية (الممولة والتطوعية) يوميا، وهذه (يفترض) انها تضيف للحياة معنى خاصا خارجا عن النفعية المادية وهموم الحياة اليومية .