في العام ١٩٨٢ سألني صديق:
من يا عمام ؟!!
كان السؤال غريبا حينها، وحرت جوابا ولم أعرف بماذا ارد عليه.
قلت له( بعفوية ):
عمي ابو باسم ، فضحك الصديق من جهلي وقال:
اقصد وين الأهل ؟
و( بأسرع من البرق ) أجبته:
بالبيت!!، ضحك صديقي بصوت عال ضحكة مجنونة؛ معتقدا بأنني ( كمش على التيغة ) ومصطلح ( كمش على التيغة ) تطلق على الإنسان البريء الذي لا يعرف ( الچُك من البُك ) وبمعنى اخر لا اعرف تفاصيل الحياة.
أعاد عليَّ السؤال بصيغة أخرى قائلا:
من يا عشيرة؟
قلت : له لا اعرف لكننا يقال لنا ( بيت عباس الحجة ).
فضحك مرة اخرى وقال:
اقصد ، حينما تكون هناك مشكلة في العشيرة فإلى أين تلجأ؟
فقلت له: ولماذا تكون هناك مشكلة ؟!
واعاد سؤاله بطريقة الفرضيات:
نفرض صار عدكم مشكلة عويصة مع شخص ما فإلى من تلجأ ؟
فقلت له:
إلى مركز الشرطة وهناك اقدم شكوى .
أعاد السؤال بطريقة مباشرة:
ما اسم شيخ عشيرتك؟
قلت له: لا اعرف.
بقي الشخص متعجبا كوني لا انتمي الى عشيرة ولسان حاله يقول ( عجمي مگطم )!! وفي نفس الوقت بقيتُ متعجبا من اسئلته التي لم أعتد عليها .
ففي مدينة مثل كربلاء تكاد تنعدم الإرتباطات العشائرية؛ مع ان أغلب سكانها مرتبطون بجذور قبائل عربية ولهم جذور عشائرية تنحدر اغلبها إلى جنوب ووسط العراق . لكن ليس فيها تجمعا لعشيرة في منطقة ما ، فمعظم سكان كربلاء ينتمون لبيوتات وهذه البيوتات هي (اليافطة) العريضة للانتماء ، اتذكر على سبيل المثال لا الحصر ( بيت ال ثابت ، بيت ال نصر الله ، بيت إل طعمة ، بيت كمونة ، بيت جنگانة ، بيت ابو دگة ، بيت ابو معاش ، بيت ابو المعالي ، بيت ام سوري ، بيت بقوري ، بيت ال شمطو , بيت قربزة ، بيت گماز ، بيت عتوكة ، بيت آل بحر العلوم ، بيت جلوخان ، بيت السندي ، بيت الحديدي ، بيت المسلماني بيت الجحيشي ، بيت النصراوي ، بيت الربيعي وووووو( وعذرا لعدم ذكر بقية البيوتات لضعف الذاكرة اولا ولاكتفاء الحاجة ثانيا فالغرض من ذكر هذه البيوتات هو استحضار الشاهد فقط ).
وطبعا كانت هناك عشائر كاملة. في كربلاء تحترم طبيعة هذه المدينة؛ على سبيل المثال عشائر (طي واليسار والزگارطة و عشائر بني أسد ، وبني حسن والسلامي والنصاروة وبني طرف والسعدي والوزون وخفاجة والمسعود والفتلة والحميري والگريط والبلوش ووووو ) .
وكانت اغلب العوائل تنسب إلى مهنةمثل ( الخياط والعطار والتكمچي والصيگل والبرام والتتنچي والمعمار والمختار والحكيم و اللولچي والاوتچي )
والبعض الآخر ينسب إلى مدينة مثل ( الهنداوي والطويرجاوي والشثاثي والمشهدي )
فلم اشاهد في حياتي عبارة مخطوطة على جدران البيوت ( مطلوب دم )أو ( مطلوب عشائريا ) أو ( مطلوب ثار ) ولا حتى عبارة ( الملك مغصوب ).
مدينة كربلاء لها خصوصية فهي مدينة بنيت على جسد الامام الحسين وارتبطت به لذلك كانت بيوتاتها القديمة تبنى حول ذلك الضريح الطاهر وتحيط به .
وكربلاء هذه المدينة الحالمة على ضفاف الفرات شأنها شأن بقية المدن العظيمة تبقى جاذبة للسكان، والدخول إليها ليس حكرا على أهلها فالتنوع في اصول سكان المدن الكبرى ( شي طبيعي ) وكلهم عراقيون نزحوا لأسباب وظروف شتى منها (اقتصادية وأمنية) ايام حرب الثماني سنوات و الأغلب الاعم من أجل العمل الذي هو حق مشروع ، ومدينة الحسين ملك للجميع وليست ملكا لشخص ، لكن لكل مدينة خصوصياتها فلا يمكن للّلاجئين في مدن مثل( نيويورك أو لندن أو برلين)أن يعلقوا يافطة أمام أحد المنازل او يكتبو على حيطانها بالصبغ الاحمر ( مطلوب دم )!!! لان تلك المدن ليس من ثقافتها اللجوء إلى الحل العشائري (غير السلمي) ولاقانونها يسمح بذلك. وكذلك مدينة كربلاء ليس من ثقافتها اللجوء إلى السلاح والدگة العشائرية فحل مشكلات ابنائها يتم دائما بالتراضي ( وحب عمك وبوس خالك ، وانتهت السالفة ) وإذا لم يتم الحل عشائريا حينها يلجأ سكان هذه المدينة للقضاء فهو الحكم الفصل في هذه القضايا .
وانا هنا لا أقلل من أهمية الثقل العشائري فحتما تبقى العشائر وشيوخها محل احترام وتقدير الجميع ونكنُ لهم كل المحبة، لكن في مقابل ذلك عليهم المحافظة على خصوصية هذه المدينة التي تحبهم ويحبونها، وهي التي تجمعنا على حب الحسين بن علي سيد شباب اهل الجنة .
المصدر جريدة صباح كربلاء