بعد سنوات من الانقطاع بسبب الظروف السياسية والامنية التي مر بها البلد، ومنذ أعوام قليلة عاد دبيب مسرح العيد – كما يحلو للبعض أن يطلق عليه – وعادت الحياة من جديد له، بجهود نخبة من فناني كربلاء المقدسة الشباب؛ الذين أخذوا على عاتقهم إسعاد الأطفال بالعيد بإضافة محطة للذكريات بحضور عرض مسرحي، يحمل بين طياته في المقدمة صحبة الأهل والأصدقاء واهتمامهم بإسعاد أطفالهم، ومن ثم إدامة ابتسامة الوجوه عبر الكوميديا، والأمر الثالث والمهم أيضا أنّه يحمل رسالة توعوية وتثقيفية، هذه العروض كانت بدعم من العتبات المقدسة في كربلاء، ولا سيما العتبة الحسينية المطهرة، ونحن على أعتاب عيد الأضحى المبارك ينتظر أطفال كربلاء وسط قطار الشوق أن يصل بهم إلى لقاء العيد مع المسرح، (صباح كربلاء) التقت عددا من الفنانين الذين بدأوا تدريباتهم على عرض مسرحي متجدد.
اللقاء الأول كان مع المخرج ميثم البطران وهو رئيس مهرجان الحسيني الصغير لمسرح الطفل، وسيكون مخرجا لعمل العيد القادم، إذ يقول عن فكرة مسرح العيد:
“عروض العيد ترتكز على موضوع الفرح الذي يعم الجمهور في هذه الأيام؛ وتقديم عروض ترفيهية تثقيفية تعليمية للأطفال والأسرة، كذلك من باب الحرص على تقديم المسرح الملتزم الذي يتلاءم مع خصوصية محافظة كربلاء المقدسة وجمهورها، وعلى مدى ثلاثة أعوام ماضية قدمت فرقتنا ثلاثة عروض عيد وهي مسرحيات: لبيب والعم حمدان، وطربوش وعيادة الأسنان، ومغامرة شنشول”. وعن هذا العيد يبين البطران: ” استعدت فرقة (كربائيل) لتقديم مسرحية (مغامرة شنشول) للمؤلف وسام القريني واخراج ميثم البطران وتمثيل: كرار الصافي ووسام الخزعلي واحمد الصفار وراضية رفيع ووسام القريني وميثم البطران؛ على خشبة مسرح قصر الثقافة والفنون في كربلاء وبسعر تذاكر رمزي ومدعوم من قبل العتبة الحسينية المقدسة وهو ثلاثة آلاف فقط”، وتابع البطران: “هذه المسرحية عرضناها سابقا ولكن لكثرة الطلبات على إعادة عرضها وخاصة بعد عرضها في دولة تونس الشقيقة ضمن مهرجان (نيابوليس) الدولي لمسرح الطفل؛ وهو من اعرق المهرجانات في الوطن العربي، قررنا إعادة عرضها هذا العيد”. أما عن تفاعل الجمهور فيقول: “الجمهور الكربلائي وعلى مدى عشر سنوات متتالية أثبت انه جمهور مهم وواعٍ ومثقف، إذ انه مواظب على الحضور للمسرح وهذه ثقافة مهمة جدا تعكس مدى رقي هذا الجمهور، وخصوصا جمهور مسرح الطفل وهو اللبنة الاساسية لجمهور مسرح الكبار في المستقبل”. وعن كيفية اختيار النصوص المسرحية، يوضح البطران: “النصوص المسرحية التي نعمل عليها تنتج على الاغلب من بواسطة ورشة لكادر العمل، بعد اختيار الفكرة الأساسية وخلق عصف ذهني بين أعضاء الفرقة، ومن وجهة نظري تكون الأعمال الناتجة عن الورشة اكثر ملاءمة للعروض الجماهيرية”.
أما اللقاء الثاني فكان مع مؤلف المسرحية الفنان وسام القريني الذي أوضح الهدف من مسرح العيد؛ بقوله: “الهدف من العروض المسرحية بشكل عام هو تقديم المحتوى الهادف وتسليط الضوء على المواضيع الحياتية التي يمر بها الانسان على مدار اليوم، فتقدم الفكرة بأسلوب الملهاة او المأساة، في محاولة لتغيير الواقع من عبر وضع الحلول للمشكلات المراد طرحها والتي تلامس خيال المشاهد وتنقي تفكيره”، ويتابع القريني: “المسرح في السنوات الماضية اخذ اتجاها آخر، ولأسباب متعددة؛ إذ بات ما يقدم بعيدا جدا عن الذائقة الرصينة، ولا يناسب الأسرة الكريمة والمحتوى المقدم بعيدا عن الهيكلية الاجتماعية والثقافية والفكرية التي تربينا عليها، ومن ضمنها العروض المسرحية التي تقدم في العيدين، فكان لزاما علينا من باب المسؤولية التي نحملها بوصفنا عاملين في مجال الفن، ان نتصدى لهذه الظاهرة بتقديم الهادف والجيد والملتزم في عروضنا المسرحية، وخصوصا وان اعمالنا شاملة لكل الفئات العمرية على الرغم من توجيهها اساسا للطفل”. لافتا إلى: “دأبنا منذ سنوات ثمانية ونيف على تقديم العروض المسرحية في الأعياد ووضع بصمة لنا يشار لها بالبنان من قبل الأسر الكريمة التي تنتظر اعلاناتنا ومواعيد عروضنا”.
وعن مسرحية (مغامرة شنشول) يقول مؤلفها القريني: “استعدت فرقة (كربائيل) للفنون التابعة لقسم رعاية وتنمية الطفولة في العتبة الحسينية المقدسة لتقديم العرض المسرحي طيلة ايام عيد الاضحى المبارك، العمل يسلط الضوء على اكبر خطر يهدد ابناءنا الصغار وهو الادمان على استخدام الهاتف الجوال والاجهزة اللوحية بطريقة مغلوطة وغير سليمة لما له من تأثير سلبي على التفكير وبناء الشخصية، ويتناول العمل المسرحي الموضوع باسلوب ترفيهي خيالي لضمان لفت الانتباه للمشاهد وجذبه للمعلومة، بما يتناسب ومستواه الفكري، ايضا العمل يوجه رسالة لأولياء الامور كونهم الاساس التربوي الذي يستلهم منه الطفل سلوكياته”. وعن سبب استيفاء أجور عن العروض يبين القريني: “يستوفي العمل اجورا رمزية، والهدف الأساسي ليس ربحا بقدر ما هو تنموي تعليمي، اذ نعتمد على ذائقة الطفل بانتقاء ما يريد بعد دفع الثمن، وتوجيهه نحو الاختيار الصحيح، فاستحصاله على المعلومة والفائدة مرتبط بالثمن الذي يدفعه، فهو زبون ومن حقه هنا المشاهدة والاستمتاع والنقد”. وعن بناء قاعدة جماهيرية مسرحية يلفت القريني إلى: “في عملنا بمجال المسرح منذ سنين كونا قاعدة جماهيرية جيدة جدا، فالأسرة الكريمة اليوم بحاجة الى متنفس غير مألوف تفرغ فيه ما يثقل كاهلها من مشكلات تحتاج الى حلول، وكون العروض اصبحت ذات محتوى هابط جدا لانتشار المسرح التجاري في السنوات السابقة، فقد ابتعدت العائلات عن المسرح حفاظا على المبادئ والقيم الاخلاقية التي تربوا عليها، وحماية لأطفالهم من عادات غير سليمة، ولكن ما قدمناه في اعمالنا المسرحية استطعنا إعادة الطمأنينة على مستويات الفكرة واسلوب العرض المسرحي، فباتت الاسر اليوم تبحث عن كل فرصة تجد فيها فريقنا المسرحي حاضرا لتكون شريكا معنا، وهذا ما لمسناه اكثر في عملنا بقسم رعاية وتنمية الطفولة بعد انطلاق مهرجان الحسيني الصغير الدولي لمسرح الطفل، فقد اصبح للجمهور الكربلائي والعائلات الكريمة من باقي المحافظات حضورا متميزا اثار اعجاب كل من شارك في المهرجان، واصبح مثالا يحتذى به في الدول العربية التي شاركت فرقها المسرحية في المهرجان، فالحضور الجماهيري الغفير للعائلات واقبالها الكبير على العروص المسرحية هو دليل على ان الشارع الكربلائي متذوق فريد للفكرة وللثقافة وللأساليب المسرحية”. وختم القريني حديثه: “لا شك في ان العمل الجماعي والقيادة الحكيمة ومجموع الآراء السديدة هي العامل الأساسي في نجاح اي مشروع، وهذا كان مبدأ فرقتنا المسرحية سواء على مستوى العمل الرسمي او على مستوى العمل الخاص للفرقة، فيتم طرح كل الافكار التي يمكن الاشتغال عليها وتنقيتها ثم العمل على تطوير الفكرة ورسم الخط الاساسي والدرامي لها وبعدها تأخذ الاختصاصات الفنية ادوارها بحسب المهمة، بدءاً من المؤلف وانتهاءً بالممثل مع الاحتفاظ بحق التقييم والنقد لكل الفريق في سبيل الوصول الى افضل النتائج المرجوة؛ لتقديم عمل فني ناجح يليق باسم المسرح والفرقة وكربلاء والجمهور الكريم”. المحطة الأخيرة كانت مع الفنان أحمد الصفار الذي يقول عن طقس مسرح العيد في كربلاء: “من ثقافة المجتمع العراقي سابقا في السبعينات والثمانينات أن يذهبوا إلى المسرح، لكن في زمن الحصار توقفت وعادت بشكل المسرح التجاري فيما بعد، وهو مسرح لم تكن قيمه الفنية بالصورة المطلوبة بل اعتمد القيمة الاستعراضية، وصدم الجمهور بخيبة أمل، الذي كان ينتظر رسالة وهدف، فتحول الموضوع إلى استعراض ورقص بدون هدف، فضلا عن بطاقة دخول مكلفة، ومسرح غير نظامي، ولكن الآن الوضع اختلف بعد أن تلقينا الدعم لإعادة الثقة بالمسرح الملتزم، وبعد تجربة الناس لعروضنا بدؤوا هم يبتكرون حملات دعائية لنا، فتجذب الأسرة، الأسرة الأخرى، بعد أن لمسوا رسالة وثقافة ومتعة في تلك العروض، فضلا عن الجو الاجتماعي الذي يتيح تعارف الأسر فيما بينها، وأجواء الألفة والمحبة والتوادد، ونستطيع أن نقول اليوم أن لدينا جمهور ينتظرنا، وقد اعتاد هذا الطقس، وخاصة الأطفال، فقد بنينا منهم قاعدة جماهيرية جيدة، وهم ذاتهم سيكونون بعد عشرين عاما هم الكبار الذي يصطحبون اباءهم للمسرح”. وعن خصوصية مسرح الطفل يقول الصفار: “بالتأكيد الإخراج لمسرح الطفل يحمل خصوصية خاصة لأن الطفل أخطر شريحة مجتمعية بالتعامل فنيا، وهو الأهم، لأنك هنا تؤسس شخصية الطفل، ونحاول أن نطور من تقنيات المسرح وآلياته قد تتناغم مع روح العصر وحداثة ما يتلقاه الطفل من تطور تكنلوجي، وفي مشاركاتنا الدولية نحاول ان نكتسب خبرات جديدة ونعكسها على مسرح الطفل في العراق”. وعن متعة التعامل مع الأطفال يوضح الصفار: “قمة المتعة بالتعامل مع الأطفال، والأساس في مسرح الطفل هو أن تتعامل مع الطفل الداخلي، الطفل الذي بداخل الإنسان، فكلما كان حيا غضا نضرا نشيطا؛ ومرحا طموحا ذو خيال واسع، كلما زادت المتعة بالتعامل معه، وزادت القدرة على التعامل معه، فالمجتمع المسالم هو مجتمع فطري يحمل طفلا في داخله، تضفيه براءته ونقاء سريرته، فقمة المتعة تكون داخل هذا المجتمع”. وعن أسباب الإقبال غير المسبوق على مسرح الطفل ومسرح العيد يقول الصفار: “السبب أولا هو الدورات المسرحية التي كنا نقيمها في السنوات الماضية التي كانت البذرة لتأسيس جمهور من الأطفال، والسبب الثاني هو مهرجان الحسين الصغير السنوي فضلا عن الأوبريتات المسرحية بافتتاح المهرجان كل سنة، كل هذا أسس جمهورنا سواء من المشاهدين أو من المشاركين من الأطفال الذين يساهمون معنا في كل دورة من المهرجان، حقق هذا ازديادا نوعيا، مثلا مهرجان الحسيني الصغير بالسنوات الأولى، كان حضوره من ألفين إلى ثلاثة آلاف متفرج، في السنتين الماضيتين وصلنا إلى أكثر من عشرة آلاف متفرج، وهذا لوحدة إنجاز، ونتوقع زيادة أكبر في السنوات القادمة”. وختم الصفار بإشارة إلى متطلبات زيادة أعداد الجمهور: “سنحتاج إلى مشاريع مرادفة ومرافقة وطاقات جديدة تغذي مسرح الطفل في كربلاء والعراق بشكل عام، فضلا عن مسرح الكبار، لأن الأطفال سيكونون كبارا في المستقبل، ونحتاج إلى أرضيات أوسع لاستيعاب هذا الجمهور فكم من مرة لم يكن هناك مقاعد للجمهور، ويجب أن تنظر الدولة بعين جادة لمشاريع الثقافة والفنون”.
المصدر جريدة صباح كربلاء