عام الدراما… (العراقية) تتصدر بعدد الأعمال وآراء النقاد صوب الاستمرار مع الجودة
ماجد خضير
بعد أن أطلق في كانون الأول من العام الماضي رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، مشروعاً ثقافياً وفنياً كبيراً في العراق، لدعم السينما والدراما والمسرح والفن التشكيلي والأدب والكُتاب وأدب الطفولة، عقب استقباله جمعاً كبيراً من نجوم الفن العراقي وممثلين عن اتحاد الأدباء وعدد من الكتّاب والمثقفين، وتخصيصه مبلغ ثلاثة عشر ملياراً وخمسمئة مليون دينار عراقي لتنفيذ المشروع، منها خمسة مليارات لدعم الدراما العراقية، شهد شهر رمضان الماضي سباقا دراميا عراقيا غير مسبوق، وهو بحق ممكن أن نطلق عليه (عام الدراما العراقية)، المشروع بعد تنفيذه أخذ حيزا كبيرا من النقاشات على طاولة النقاد من المختصين والمتابعين، فمنهم من وجد أن المشروع كان حقا داعما للحركة الفنية في البلد، ومنهم من راح يسجل ملاحظاته على الأعمال من أجل تقويمها وترصينها في المرحلة القادمة، وبغض النظر عن كل الملاحظات التي سجلت، فإن الدراما العراقية سجلت حضورا واضحا بين الدراما العربية، بل أن جيل الشباب لا تستهويه المسلسلات العربية أكثر مما تستهويه المسلسلات العراقية.
طلبة جامعات: تابعنا الدراما العراقية
يقول (محمود مصلح) الطالب في كلية الهندسة: “أنا لست من هواة متابعة الدراما، ولكن عندما يكون هناك عمل عراقي أجد وشيجة معه، واتفاعل واتابع، أما الدراما العربية فانا بعيد جدا عنها”. وتقول (نور حيدر) الطالبة في كلية الطب: “انا وزميلاتي نتابع المسلسلات العراقية حصرا، ولا نتناقش في غيرها، وهذا العام كانت قناة العراقية في الصدارة في عدد الأعمال منها ما كان جيدا ومنها ما كان فيه عجالة في الإنتاج، أما المسلسلات العربية فمن هم أكبر منا سنا يفرضوها علينا، لأنهم تجمعهم معها ذكريات قديمة، فيحبون متابعتها، ونحن نشاركهم ذلك”، أما (رسل نعمة) الطالبة في كلية القانون، فتقول: “بعض المسلسلات كانت بجزئها الثاني وكنا قد تابعنا الجزء الأول، ومن خلال متابعتنا لنجوم العراق من الشباب، فنحن نحب أن نرى أعمالهم، انقطاع الدراما لسنوات جعلتنا لا نعرف من الفنانين القدامى إلا القليل، أما الشباب فنتابعهم وننتظر أعمالهم، ومن خلالهم تعرفنا على الفنانين الكبار (من جيل الطيبين)”.
مختصون: دعم الدراما خطوة جيدة ولكن تحتاج إلى إنضاج
يقول المخرج حسنين الهاني مدير مهرجان النهج السينمائي: “هنالك تحسن ملحوظ وبخطوات صحيحة نحو الإبداع والألق والنجاح، وانتشار واختلاف الذائقة على مستوى الفرد العراقي، بسبب كثرة الأعمال التي طرحت هذا العام؛ التي أعتقد تجاوزت العشرين عملا بمختلف موضوعاتها ومضامينها، ولا يخفى علينا أن الاحتراف يولد من كثرة التجارب، ففي الحقبة السابقة أو العقد الأخير رقدت الدراما العراقية قرابة ثمانية أعوام أو عقد تقريبا، دون إنتاج سوى أعمال بسيطة طفيفة هنا وهناك، لكن أعتقد خلال السنتين الأخيرتين كان هنالك انتشار واسع لإنتاجات مختلفة، إن كانت بأعمال درامية مقتبسة أو مترجمة أو حتى هجينة أو أصيلة، هذا التنوع وهذه الكثرة في الإنتاج تجعل الشركات تتنافس فيما بينها؛ من أجل جذب المشاهد وشد انتباهه، ومن باب آخر أن المتلقي سوف يستطيع أن يقارن بين الجيد والأفضل ولا أريد أن أقول السيء بهذه المفردة؛ لأنه لا توجد أعمال سيئة بالمطلق، هنا عملية تنوع الذائقة هي التي تحدد أيهما أفضل والبقاء للأفضل”.
ويتابع الهاني: ” نعم تخللها أعمال كوميدية وأعمال حربية هذه كلها تصب في ذائقة الفرد العراقي بمختلف انطباعاته وهويته وقراءاته، وأعتقد هذا العام كان هنالك أعمال جيدة جدا وبإمكانها أن تنافس، على الصعيد المحلي وربما بالمستقبل على الصعيد العربي، لكن لماذا لا تنتشر عربيا؟ والجواب هو لا يخفى علينا أن اللهجة العراقية من اللهجات العربية الصعبة جدا لدى البلدان العربية الأخرى، وربما حتى الخليجية التي هي أقرب لنا ليست بصعوبة لهجتنا، وعملية انتشارها يتطلب إنتاجات مشتركة؛ بمعنى إن كان هنالك إنتاج مشترك عربي سواء عراقي سوري أو عراقي أردني أو عراقي كويتي أو عراقي لبناني أعتقد هذا أسرع وسيلة وأفضلها للانتشار؛ حتى نكسب جمهور البلدين”.
وختم الهاني: ” إن الدولة هي التاجر الأكبر والشركة الأكبر والمستثمر الأكبر مثلما تصرف الحكومات على الدفاع والداخلية والصحة والتربية والتعليم، لابد من تخصيص مبالغ جيدة؛ من أجل الارتقاء بالثقافة، وتوثيق ما مر به العراق بمختلف الحقب الزمنية، والظروف التي عاشها على الصعيد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ومختلف النواحي، بالتالي خطوة دعم الدراما أعتقد يجب أن يكون لها ركن أساسي في الموازنة العامة للبلد من كل عام؛ لأنها كما ذكرت هي التاجر الأكبر والأب الأكبر لكل العراقيين والشركات والفنانين، وعليه سوف تحجز مقعدها سنويا من رفد الشاشة العراقية؛ سواء أكانت الحكومية أم الشاشات العراقية الموازية الأخرى، من أجل استمرارية التواصل مع المشاهد العراقي؛ كي نجذبه نحو إنتاجنا ونحو قصصنا ونحو أفكارنا ومسلسلاتنا، لاسيما الحقبة التي مر بها العراق وهي حقبة داعش وأربع سنوات من الحرب كفيلة بأن تفرز مئات القصاص، وربما آلاف القصص هي تاريخ البلد وعلينا أن نوثقها بمختلف مضامينها الفكرية”.
أما المخرج سعد العصامي فيقول: “ابتهج الكثير من الفنانين والمراقبين بحجم الانتاج غير المدروس للدراما العراقية خلال شهر رمضان المبارك، وظن البعض ان الدراما العراقية ستعود الى التربع على عرش الدراما العربية، وهذه الآمال والاحلام مشروعة، لكن الأمور لا تسير بهذا الشكل، فمن يريد ان يبني الدراما العراقية أو ان يقدم عملا مهما فعليه تقديم ورق محترم يعالج ويبني ويثير الكثير من العوالق في المجتمع العراقي، وتقديم مسلسل واحد مهم وناجح هو افضل من تقديم عشر مسلسلات ضعيفة تثير سخرية المشاهدين وتشبه مادة لصناعة الاستهزاء عبر منصات التواصل الاجتماعي”.
ويتابع العصامي: “الدراما العراقية لم تلبي الطموح خلال هذا العام الا ما ندر، أما بخصوص خطوة دعم الدراما فجاءت على مرحلتين، المرحلة الاولى كانت لدعم الاعمال الرمضانية للموسم الماضي ولقد جاءت جميع الاعمال دون مستوى الطموح، بسبب السرعة في التنفيذ وعدم دراسة الورق بشكل جيد، أما المرحلة الثانية وهي القادمة فهي تحتاج الى وقفة، لأن القائمين على هذا المشروع عليهم ان يعرفوا ان هذه الفرصة قد لا تتكرر، ولهذا يجب استغلالها بصورة صحيحة وجعل الإنتاج الدرامي يعود بواردات وارباح تجعل من هذه المنحة صندوقا مستمرا لدعم الدراما عبر السنوات اللاحقة، فصناعة الدراما هي تشبه في اصولها وقواعدها عملية صناعة اي شيء اخر، فلا يمكن لصاحب الشركة ان يصنع منتج يعرف انه سوف يخسر لان هذا يعتبر استخفاف وعملية تبذير كبيرة للموارد المالية”.
وعن التسويق العربي، يوضح العصامي: “الدراما العراقية متذبذبة الانتاج وغير مستقرة، فقبل سنوات قليلة بلغ الانتاج بضعة مسلسلات قد لا يتجاوز عددها اصابع اليد الواحدة، وفي هذا العام قد تجاوز الانتاج اكثر من ثلاثين مسلسل وهذه احدى المشاكل التي تواجه الدراما العراقية في تسويقها عربيا، لكن أجد ان تسويقها عالميا هو الاصح، لأننا بالاعتماد على انشاء منصة محترمة مثل منصات (شاهد. نت او Netflix) او باقي المنصات فيمكن ان نصل الى الملايين من المشاهدين العرب والأجانب وسيصبح هناك أرباح، والمثير من طلبات الشراء وهذه المنصة ستحل محل شركات التوزيع التي نفتقدها دائماً.”
نقاد من المتابعين سجلوا ملاحظاتهم
سجل الأكاديمي الدكتور خالد العرداوي مدير مركز الفراتين للدراسات والبحوث بعض الملاحظات على الدراما العراقية، وشدد على وجوب الالتفات لها في الأعمال القادمة، يقول العرداوي: “ما نجد غالبا في هذه المسلسلات هو:
– الجامعات مجرد أماكن لتبادل الحب والصراعات بين المحبين وليست أماكن لطلب العلم، فلا تجد لطلبتها واساتذتها دور في البحث العلمي من خلال قصص ملهمة ومحفزة لطلاب العلم والمعرفة كما نجده في كثير من الأفلام والمسلسلات وقصص الخيال العلمي الاجنبية.
– غياب الدين كمحفز لبناء منظومة القيم في حياة المجتمع، ولذا غالبا ما يختفي في هذه المسلسلات التأثير الايجابي للدين او تمر عليه مرور الكرام، وأحيانا يتم إظهار المتدينين بمظهر سلبي طارد ومنفر للناس، وأنهم مجرد ناس ضعفاء فاشلين في حياتهم او منافقين غير صادقين في إيمانهم.
– عدم وضوح القيم الوطنية في هذه المؤسسات، اذ ليست لها رسالة وطنية واضحة، وغالبا ما تتجاهل هذه المسلسلات الاستفادة من الميثولوجيا التاريخية لبلاد الرافدين، ويبدو الفن العراقي في هذا الجانب مجرد مستهلك مثير للشفقة لما يخرجه الآخرون عن تاريخه وثقافته.
– انعدام الدور الداعم والايجابي لعمل مؤسسات الدولة، واجهزتها الامنية، فهي تفتقر للإبداع الخلاق الذي يعطي الإلهام لهذه المؤسسات، على غرار ما نجده في الفن الامريكي مثلا عندما يدعم قوات المارينز او القوات البرية الامريكية وغيرها.
– ضعف واضح في الحبكة الفنية لهذه المسلسلات، فتشعر انها مليئة بالصراخ والعويل والتسلسل الرتيب للأحداث، وتبدو كطعام مكرر مل منه آكله ولم يعد يستسيغه.
– معظمها تحاول التأثير في المشاهد من خلال استحضار اكبر كم من السخرية او المظاهر السلبية التي يزخر بها المجتمع العراقي، والتي من المفروض ان يساهم الفن في علاجها بدلا من ترويجها، بل على العكس يحولها من مظاهر تكون محل نقد ونفور المجتمع الى مظاهر ملطفة تلعب دورا في اضحاكه وإدخال السرور الى وعيه الظاهر والباطن”.
وتابع العرداوي: “باختصار، رسالة الفن ليست مجرد الحصول على اكبر كم من المشاهدات او عرض اكبر كم من نفايات المجتمع القيمية والسلوكية، فالفن أداة عظيمة من أدوات القوة الناعمة للدولة والمجتمع، وعليه فهو كأي سلاح دمار شامل ممكن ان يساهم في بناء الدولة والمجتمع، وزيادة قوتهما وتأثيرهما في محيطهما الإقليمي والدولي او يكون أداة من أدوات هدم الدولة والمجتمع، واضعافهما في جميع المجالات، فالفنان والاديب العظيم ممكن ان يكون كالقائد السياسي والعسكري والعالم العظيم بالنسبة لأمته فيبني لها مجدها او يكون كالجاسوس والموظف البليد فيسلبها قوتها ويبيعها لكل من يدفع اكثر”.
وختم العرداوي حديثه: “يحتاج صناع الدراما في المسلسلات العراقية الى استشارة خبراء في القانون والاجتماع والطب والتاريخ والدين وغيرها من التخصصات في المواقف ذات العلاقة، حتى لا تكون الدراما غير دقيقة، فالمشاهد التمثيلية ينبغي أن لا تخالف الواقع الذي تعبر عنه او العلوم التي تحتك بها، حتى لا تكون محط ارباك المتلقي، وسخرية المتخصص”.
وتبقى كل الآراء النقدية التي قدمت هي دليل أولي على حضور الدراما العراقية، واهتمام النقاد والمختصين بها من باب التصويب والإدامة والجودة، يأتي بدليل آخر على تأكيد فكرة استمرار الإنتاج لدعم الحركة الفنية في البلد، ومشوار الميل يبدأ بخطوة.
المصدر جريدة صباح كربلاء