مقالات

المؤامرة بين الواقع والتنظير

الكاتب: محمد جواد الميالي

سلوكيات المجتمع تعتمد على عدة أعمدة، بينها ماهو شاهق على أرصفة العقول، وفيها المدفون في باطن الخوف ولا تصديق، والبشر رغم بشاعة ما فعلوه على وجه الأرض، منذ أول جريمة أقترفها قابيل بقتله هابيل، إلا أن جلّ همهم العيش بإطمئنان دون منغصات، فتجدهم ميالون لما هو آمن ومألوف، وعلى هذا الأساس نجد أن أعمدة الأعتراف بنظرية المؤامرة، لا محل لها على أرصفة العقول العراقية إلا عند النخبة.

العلم يدخل في تراكيب أبسط الأشياء في هذا الكون، فهو الذي يفسر قوة خيوط العنكبوت، وهو الذي يجعل تركيباً جزئياً لذرة غير مرئية تفكك أجزاء البشر في القنبلة النووية، فالعلم يقنن كل شيء، و الفوضى علم يُدْرَس ويُدَرَس، وكما أن هنالك علماء في الجاذبية، هناك علماء في فن صناعة الفوضى، وكل علم يحتاج إلى تجربة لأثبات نجاحها، ونجاح الفوضى هي حل مبرهنة نظرية المؤامرة.

بما أن المؤامرة لها برهان فأكيد أن لها متطلبات، وهما شيئان الحكومات المتآمرة والشعب المتآمر عليه، لكن أحيانا يتطلب إتمام هذه المعادلة تغيرات بسيطة، مثل جعل الحكومات أداة بيد الأجندات الخارجية، ويسلطان على الشعب لإجهاض أي محاولة منه لكسر قيود الديمقراطية الوهمية، والتحرر من فساد الأحزاب الخانق.

بعد أن أكتملت أركان المعادلة، نبدأ بحل البرهان لنخرج بالنتيجة، وسنبدأ من تردي الوضع الثقافي والتعليمي، مروراً بالواقع الصحي المتدهور، وأخيراً وليس آخراً الوضع الإقتصادي المنهار، يضاف لها البطالة التي ملئت الشوارع، حتى سكن الشباب المقاهي وهجر الكتب، فأصبح كعود الكبريت لا يحتاج سوى إلى شرارة لينقاد خلفها، ويحرق الأخضر واليابس.

من الصعب أن تسيطر على عقول هائجة وتأمرها بالهدوء، ولكن من السهل أن تقودها نحو إشعال فتيل عود الكبريت، وهذا ما حصل لصناع الفوضى، حيث تم أستغلال الهيجان العقلي وتناسبه طردياً مع العقل الجمعي، فأصبح الواحد يقود مئة، بهتافات ثورية لا سلمية، والطرف الناطق حزبي، والمتحكم خارجي، والمنفذ من أتبع العقل الجمعي.

واخيرا وصلنا إلى النتيجة التي تقضي بصدق نظرية المؤامرة، بسبب الفوضى العارمة التي أحرقت المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، وأدخلت النار إلى القنصلية، وأنتهت بسيارة الأسعاف التي تحطمت معها المستشفى التعليمي في البصرة، وأيدي الأجندات الخارجية وقفت في المنتصف، ترشق الرصاص على الجندي وتقتل المتظاهر، لتشعل فتيل الحرب بينهما، والنار التي ثارت من أجل الماء، أحرقت الماء! وأنهت آخر أمل بأن يكون الأصلاح على يد المتظاهرين، لأنها موجة ركبها التحزب.

كل هذا يدل على أن الساحة السياسية في العراق، لا تخضع إلى منطق المنطق، فالخلو والجمع لا يرتفعان ولا يجتمعان، ولكن في تشكيل الحكومة العراقية يجب أن يكون للعم سام نصيب كما للحجي، فالنقيضان يجتمعان؟! تحت مسمى تشكيل الحكومة العراقية، وأن أي محاولة لهيمنة أحدهما على الأخر، ستجعل نار الفوضى تحرق الشعب بأكمله، ولن يربح الطرفان سوى مشاهدتهم الممتعة لشعب يتصارع مع نفسه لأنقاذ نفسه.

السؤال الأهم متى ستسود النخبة المجتمع، ليستطيع تغيير منهجه السلوكي، ويؤمن بنظرية المؤامرة، ويضع لها متطلبات وبراهين، ليجد الحل الذي يناسبه، ويحدث الأستقلال الداخلي، ليقف على بعد خطوة واحده من العم سام والحجي؟./انتهى

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى