كل الاخبارمقالات

المشاركة السياسية للنساء في العراق الفرص والتحديات هل المرأة في العملية السياسية…. ضيف شرف؟

وصال الاسدي

المقدمة
تُعتبر المشاركة السياسية للمرأة أحد المواضيع الرئيسية التي تشغل الرأي العام والمجاميع المختصة بشؤونها، ومع تحقيق تقدم في مجال حقوقها، فإن التركيز على تعزيز دورها يزداد بشكل ملحوظ، اذ تواجه في هذا المجال العديد من الفرص والتحديات التي تؤثر على مدى مشاركتها وتأثيرها في الساحة السياسية.
ويمكن تعريف المشاركة السياسية حسب ما اورده الباحث مكلوسكي في كتابه الثلاثية البرجوازية بانها” مجمل الانشطة الطوعية التي يقوم بها الفرد ويشارك من خلالها اعضاء المجتمع الاخرين سواء في اختيار النخبة الحاكمة بطريقة مباشرة او غير مباشرة او المشاركة في صنع القرار او توجيه السياسات العامة للدولة والرقابة على تنفيذها”.
وعندما نسمع ان العراق احتل المرتبة 65 عالمياً والثانية عربيا بين البلدان في أعلى نسبة للنساء داخل قبة البرلمان حسب القائمة التي اعدتها مجلة CEO WORLD لـ 150 دولة وتناقلتها الصحف، نعتقد ان الديمقراطية تمر باهم مراحل ازدهارها، ولكنها حقيقة غير ذلك، يتطلب تطبيقها وجود فعلي وفعال للمرأة دون اقصاء او تهميش معنوي كان او مادي، اذ يتوجب الالتزام الفعلي بالقوانين التي تضمن لها مشاركة حقيقية دون ان تظل مجرد خطاب رسمي نظري يختلف مع توزيع السلطة بحسب النوع على صعيد الواقع.
كما ان ظاهرة ضعف المشاركة السياسية للمراة هي نتيجة الكثير من العوامل المتفرقة والمتداخلة على الصعيد المجتمعي، سياسية كانت او اقتصادية او اجتماعية او ثقافية، فمنها ما يرجع الى:
1. عدم ايمان الكتل السياسية ورؤسائها ايمانا حقيقيا بقدرة المرأة على احداث فارق عند تواجدها في صومعة القرار المصيري للبلد.
2. مخاوف المرأة من التصيد الذي يقوم به الاعضاء الاخرين من يعارضون جملة وتفصيلا مشاركتها الا وفق ظروف استثنائيا وتنازلات مالية ولا اخلاقية والذي لم يسلم منه الاعضاء الذكور فكيف بالمرأة؟
3. ذكرت النائبة حنان الفتلاوي المخضرمة في مجلس النواب العراقي في تصريح صحفي نشرته على برنامج “اكس” تويتر سابقا وتداولته مواقع التواصل الاخرى نص الكلام” يتسائل أحد النواب عن عدم وجود نساء عند اتخاذ القرارت المصيرية للبلد فاجاب الاخر.. “نريد ناخذ راحتنه…نريد نفشر”.
وهو ما يدعو للقلق بشأن مايجري داخل الغرف المغلقة التي يتخذ فيها السياسيين قرارات مصيرية فيما اذا كانوا على قيد الوعي او لا؟ وهذه من اهم المخاطر الذي تعانيها النساء داخل قبة البرلمان.
4. استخدام النساء كأدوات اعلامية او ابواق لاستهداف الخصوم، او واجهات لمنظمات غسيل الاموال وهي عمليات صعبة تعرض حياتهن وحياة عوائلهن للخطر.
5. الاستغلال الشخصي لقيادات الاحزاب النساء لزيادة عدد الاصوات لتمرير القرارات التي يريدون كونهن خاضعات دون رأي او ارادة وفقا للعرف الذكوري مجتمعيا وسياسيا.
6. لا ينص القانون العراقي على مبدأ المساواة بين الذكور والاناث بما يتعلق في الحقوق السياسية، وقد كفل للمراة حق الترشيح والانتخاب الا انها لاتزال شبه معطلة او شكلية، بفعل غياب الاليات الضامنة للتنفيذ، فبقيت مجرد نصوص يستأنس بها المنظرين.
7. ان النسق الثقافي والقيمي والذي يكرس صورا نمطية عن المراة العراقية ودورها في المجتمع من العوامل التي عرقلة التقدم السياسي لها، اذ ساعد على سيادة تصورات خاطئة عن موقف الدين منها ” الرجال قوامون على النساء”، مع توارد بعض التفسيرات التي يمكنها الحد من تفعيل مشاركتها السياسية.
8. عدم الانصاف المالي فيما يتعلق بقضايا الدعايات الانتخابية وغيرها وعدم ايفاء الاحزاب بالتزاماتها المالية والوعود التي تقطعها قبيل المشاركة بالانتخابات او الدخول بالمعترك السياسي.
9. سيطرة التجار السياسيين على المناصب القيادية والتي باتت شبه محرمة على النساء الا مارحم ربي من الزواج برئيس كتلة قبل او اثناء او بعد الانتخابات، وهنا عودة للنقاط (4 – 5) فالمبالغ المطروحة للحصول على المنصب فاقت الخيال والتوقعات.
10. الاتفاقات السياسية بين الاحزاب وتحديد الفائزين قبل او بعد هو أخطر ما تمر به العملية السياسية في العراق التلاعب بنتائج الانتخابات من قبل الاحزاب ورؤسائها وماحدث في الانتخابات المحلية الاخيرة خير دليل بحجة صلاحية رئيس الكتلة بمنح الاصوات لمن يريد بعده.
11. عدم وجود دعم في الموارد البشرية من مستشارين اختصاص او ذوي الخبرة يزج بهم الحزب ضمن فرق العمل الخاصة بالنساء وتحمل تكاليفهم وهو ما يؤدي الى ضعف الكادر العملي وبالنتيجة الاخفاق في تحقيق الاهداف الخاصة بالكتلة ويحسب فشلا للمرأة.
مشاركة المراة العراقية في الحياة السياسية… ضيف شرف
ان المتتبع لتاريخ المشاركة السياسية للمرأة العراقية يجد ان النساء شاركن بمرحلة مبكرة ولو بشكل رمزي او شكلي، نتيجة اصرارها على التعلم المبكر والوصول الى مراحل الدراسات المتقدمة، وبفعل التطور المتسارع والتحرر الذي ساد في حقبة اربعينيات القرن الماضي، فقد جاءت مشاركتها على شكل عمل حزبي منظم او فعاليات سياسية، عل سبيل المثال المشاركة النسوية في انتفاضة الجسر وقدمت شهيدة في عام 1948 عرفت بشهيدة الجسر، وفي عام 1952 عينت في العراق اول وزيرة وهي الدكتورة نزيهة الدليمي حيث عينت وزيرة للبلديات.
من جانب اخر ضمن الدستور العراقي المؤقت لعام 1970 فرصا متساوية لكل المواطنين، الا انه لم يوضح اي اليات يمكن ان تساعد على ضمان مشاركة النساء سياسيا، ولم تشارك المراة العراقية في تشكيل الحكومة بمنصب وزير، رغم ان كثيرا ممن تبوئن مناصب تركن بصمة واثر دليل الكفاءة والقدرة، وقد يثار هنا تساؤل عن اسباب ضعف الصوت النسائي ومشاركتها في صنع القرار تحديدا عندما تكون مجموعات من ذوات الاختصاص ومتعلمة وكفؤة وفاعلة ومؤهلة لتحقيق هذه المشاركة؟
اذ يمكن ان تعزى للاسباب الاتية:
1. ان الصعوبات التي واجهتها العراقيات وتعدد جبهات جهادها ساعد على ايجاد نوع من الاسترضاء الرمزي في تحديد الاولويات، فقد اثرت الاوضاع السياسية سلبا على مطالبهن حيث اثقلت كواهلهن باعباء سياسية امنية واقتصادية واجتماعية وتربوية بل وحتى نفسية، فكان من الصعب توقع توجهها الى مواقع صنع القرار قبل المطالبة بتوفير اساسيات الحياة.
2. سيطرة الاحزاب الحاكمة وفرض النفوذ على النظام السياسي ورفضها لاي توجهات قد تقود الى التعبير عن قصور رؤيته في دعم النساء.
3. عدم وجود منظمات نسوية في داخل العراق قوية ومحددة الاهداف والرؤيا ومدعومة، يمكن ان يعلو صوتها السياسي، بل حتى الاتحاد العام لنساء العراق هي منظمة سميت جماهيرية ولكنها عمليا منظمة تمول من قبل الحكومة وتمثل توجهاتها وتردد خطابها.
كما ان ظاهرة تغييب النساء عن مواقع صنع القرار ليس جديدة رغم الاعتماد على جهودهن الميدانية والاجتماعية والتعويل عليها منذ عقد السبعينات مرورا بمراحل الحروب المتتالية الى عام 2003 وسقوط النظام السياسي.
كانت ايضا للنساء مشاركات في المعارضة السياسية قبل 2003، وتعرضت الاعدامات والاعتقالات، الا ان في المواقع القيادية كان تواجدها ضئيل او معدوم، على حد سواء في الاحزاب الاسلامية او الاحزاب الليبرالية، وقد برزت في الادوار العسكرية بشكل فعال جدا منها في فترة مواجهة الاحزاب الكردية الديكتاتورية حيث التحقت بالعمل العكسري في كردستان، وشاركت بفاعلية اكبر في انهاء الحرب الاهلية وساهمت في بناء السلام في الاقليم، كما دخلت العمل الحزبي وشاركت في صنع القرار للفترة من 1992_2004 بنسبة تمثيل 7% في المجلس الوطني لكوردستان العراق، و وفي حكومة الاقليم كانت اول وزيرة السيدة كافية سليمان وزيرة للبلديات في عام 1996، وعينت العديد من الوزيرات ووكيلات الوزارات وبمناصب قائمقام ومدير ناحية وغيرها من المناصب بعد ذلك.
كما تمكنت المرأة العراقية من الفوز بـ97 مقعدا بزيادة 14 مقعدا عن الكوتا المخصصة للنساء من بينها فائزتان من الأقليات، فيما أظهرت هذه النتائج فوز 57 امرأة بقوتها التصويتية من دون الحاجة إلى الكوتا، وتشارك اليوم 29 نائبة من اصل 111 في برلمان كوردستان وثلاثة وزيرات من حكومة تتالف من 40 وزارة، كما عد تمثيل المرأة العراقية في مجلس النواب الحالي الأعلى منذ أول دورة لمجلس النواب العراقي عام 2006، خصوصاً في ما يتعلق بحصولهن على أصوات مؤهلة للحصول على المقعد البرلماني من دون المرور بنظام الكوتا، الذي أكده الدستور العراقي لضمان وجود نسوي فاعل في العمل السياسي.
ومثل صعود 97 إمرأة إلى مجلس النواب العراقي الجديد أهم ميزة في انتخابات أكتوبر (تشرين الأول) 2021 لكونه يعد الأول من نوعه منذ عام 2003 وبزيادة 14 مقعداً عن “الكوتا” المخصصة للنساء في البرلمان العراقي البالغة في الأقل 25 في المئة، واستطاعت 57 مرشحة الفوز بشكل مباشر والحصول على أصوات كافية في مدن بغداد وأربيل والناصرية والديوانية والنجف ونينوى وبابل والأنبار وكركوك وديالى، تؤهلهن لدخول البرلمان العراقي من دون الاعتماد على “الكوتا” النسائية، فيما شملت “الكوتا” 40 مرشحة.
بعد سقوط النظام
ان توقع ظهور اشكاليات بشأن اتساع مشاركة النساء في العراق بعد احداث التغيير لنشر الديمقراطية ليس واردا، على اعتبار ان جمبع الاطراف في العملية اكدت ان الهدف الاساس هو نشر الديمقراطية كما ان غالبيتهم ترك العراق بسبب غيابها وعاد لبنائها بعد عام 2003، الا ان التمثيل النسوي في اول نشاط حزبي سياسي جاء خجولا جدا، 3 نساء فقط من اصل 25 عضو في مجلس الحكم الانتقالي في عام 2004، وفي الحكومة الانتقالية منحت 4 نساء مناصب وزارية من اصل 31 عضوا في مجلس الوزراء.
وقد نص قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية على”يستهدف قانون الانتخابات تحقيق نسبة تمثيل للنساء لاتقل عن الربع من اعضاء الجمعية الوطنية”.
ثم المادة 3 من امر رقم 96 الصادر عن سلطة الائتلاف المؤقتة (قانون الانتخاب)، القسم 4 “يجب ان يكون اسم امراة واحدة على الاقل ضمن اسماء اول ثلاث مرشحين في القائمة ,كما يجب ان يكون ضمن اسماء اول ست مرشحين على القائمة اسم امرأتين على الاقل,وهكذا دواليك حتى نهاية القائمة”.
ونتيجة لتطبيق هذا النظام كان عدد النساء المنتخبات 87 امراة من أصل 275 عضو منتخب في كانون الثاني 2005 وشغلت 6 حقائب وزارية من أصل 36 حقيبة وزارية في الحكومة الانتقالية ولم تشغل اي من المناصب السيادية الاربعة العليا فجاء تمثيلها بنسبة 11% في مجلس الوزراء وبنسبة 32%في الجمعية الوطنية، وهذا يشير ضمنيا الى عدم وجود نص في قانون ادارة الدولة من شانه ان يحدد حد أدنى لتمثيل النساء في السلطة التنفيذية او القضائية. وكذلك الشئ في مجالس المحافظات بموجب تطبيق التمثيل النسبي، ال 25% كوتا لم تتحقق في عدد من المحافظات، وعندما شكلت لجنة صياغة الدستور التي تكونت من 55 عضو كان عدد النساء 9 فقط. واليوم ينص الدستور العراقي المعدل وفي المادة 49 الفقرة رابعا الى تخصيص نسبة ثابتة لكوتا النساء في مجلس النواب بما لا يقل 25%، بنص (يستهدف قانون الانتخابات تحقيق نسبة تمثيل للنساء لاتقل عن الربع من عدد اعضاء مجلس النواب). وما يسترعي الانتباه ان مشاركتهن في الانتخابات كانت تحديا كبيرا لهن، رغم القيود الاجتماعية وسوء الاوضاع الامنية والسياسية.
الخاتمة
المساهمة بالمقترحات ومشاريع القوانين أو تعديلاتها، وصولا الى الاعتراضات والمساءلات والاستجوابات لأعضاء الحكومة، هي اهم المقاييس التي يمكن من خلالها تحديد مدى نشاط الاعضاء وفاعليتهم، وبما أن نسبة النساء في البرلمان العراقي لا تتعدى 25% من العدد الكلي، فذلك يعني أن نشاطهن أقل بكثير من الذكور، ويتوافق تقريباً مع نسبة تمثيلهن تحت القبة التشريعية.
ومن المؤسف جدا أن من بين كل مشاريع القوانين المقترحة، لا يوجد مشروع قانون يختص بتحسين أوضاع النساء السياسية، وحتى الحياة الاجتماعية ورغم دخول العراق اتفاقية سيداو والذي يهتم بحقوق المرأة وضرورة عدم التمييز، ال اننا لا نجد سوى مشروع القانون الذي تقدمت به لجنة العلاقات الخارجية وهو قانون انضمام جمهورية العراق الى اتفاقية حماية الأمومة رقم ‏‏(183) لسنة 2000 وتمت المصادقة عليه.
أما لجنة المرأة والأسرة والطفولة، والتي تتكون من ست برلمانيات فلم تتقدم بأي مشروع يذكر، ولم يسجل لأي من أعضائها أي نشاط تشريعي أو رقابي خلال الدورة الحالية، رغم دخول توقيع العراق على مسودة قانون المرأة والامن والسلام 1325، والذي اخذت منظمات المجتمع المدني على عاتقها اقامة ورش ودورات تختص بهذا الجانب.
ولعل البرامج التي ينفذها معهد المراة القيادية في بغداد وفي اقليم كردستان وغيره من المنظمات خير مثال على ذلك، اضافة الى شبكة صوتها ومنتدى الاعلاميات بقادة الدكتورة نبراس المعموري، من جانب اخر تساهم المنظمات النسائية ومن خلال حملاتها الضاغطة في المطالبة بتوسيع المشاركة السياسية للمرأة، انطلاقا من الايمان باهمية تحقيق المشاركة الفاعلة في مواقع صنع القرار التشريعية والتنفيذية.
كما ان وجود النساء في مواقع صنع القرار خلال هذة المرحلة في العراق يشكل فرصة تاريخية على النساء استثمارها بشكل دقيق عبر تنسيق الجهود والعمل على ابراز العناصر النسوية المتميزة، فضلا عن اهمية تطوير صيغ التنسيق والتعاون العملي بين المنظمات النسائية والنساء في مواقع صنع القرار لما لذلك من اهمية، كما ان اهتمام المراة بتنمية وعيها وقدراتها الذاتية مضافا الى ذلك ايمانها باهمية دورها في عملية بناء السلام والمستقبل في العراق تعد من الامور الهامة المؤثرة في تفعيل دور هن وتحويلها من مجرد مؤشرات رقمية الى حقائق موضوعية. من هنا لابد ان نشير الى اهمية عدم التعويل بشكل كلي على تبني نظام (الكوتا) فقد ينتهي الامر الى فشل التجربة وتعذر تبنيها مرة اخرى، وسيتم توظيف قضايا المرأة بشكل سلبيا مستقبلا نتيجة اخفاقها، ويستمر العمل على استخدام قضايا المراة في فترات الانتخابات وفي الشعارات وعند محاولة توجيه الرسائل بين الاطراف السياسية.

المصدر جريدة صباح كربلاء

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى