قلق المواطن الكربلائي من عمليات التزوير والتدليس في بيع وشراء الاراضي والعقارات
نوفل الصافي
كثيرة هي اللافتات التي نراها؛ مرفوعة على (أسيجة) البساتين، والاراضي الزراعية والدور في كربلاء تحت عنوان (الارض ليست للبيع) او (احذروا النصابين العقار ليس للبيع)؛ مع تثبيت رقم هاتف المعلن للاستفسار!! فضلا عن ملفات وقصص الاحتيال التي طالت عددًا كبيرا من المواطنين، منهم من تقدم بشكواه وينتظر استعادة حقه، وآخر اتخذ (الحل العشائري) وسيلة ضغط لاسترجاع ما سلب منه بالخديعة والمكر.
(إقرار المحكمة لا يحمي صاحبه)
يقول المحامي سيف المالكي: “ان عمليات النصب والاحتيال وتزوير السندات الزراعية والدور السكنية اصبحت أمرا شائعا؛ فقد نشطت وتفشت هذه الظاهرة – في المدة الأخيرة – بشكل لافت للنظر”. موضحا: “ان القاعدة القانونية هي: (ان كل عقد بيع غير مسجل في دائرة التسجيل العقاري يعتبر باطلا) ان كان ملكا صرفا او ارضا زراعية”. وبيّن المالكي: “ان العقود الزراعية تختلف من ارض الى اخرى وفق القوانين والقرارات المفصلة الصادرة من الجهات المختصة”. مضيفا: “ان السجلات الخاصة بالعقار تختلف عن سجلات الاراضي الزراعية، وعملية الشراء تختلف ايضا؛ اذ ان العقار (الملك الصرف) يحدد فيه جنس العقار، وموقعه، وحدوده من الجهات الأربع؛ اما الزراعية، فإنها توزع على اسهم حال بيعها من قبل صاحبها الاصلي؛ لذا فانك ستجد اكثر من شخص في سند واحد (مشاع)، يثبت فيه حصة المشتري من الارض بعنوان (السهم)، وتكون الحدود غير دقيقة وفيها تداخل وزحف وزيادة ونقصان؛ فضلا عن عدم وجود أي ورقة ثبوتية او مستمسك رسمي يثبت عائدية الارض (للمشتري) سوى إقرار قضائي؛ والمتعارف عليه بـ (اقرار المحكمة)، واقرار المحكمة هذا لا يعد سندا قانونيا يثبت ملكية المشتري للأرض، لكنه يثبت فقط قيمة المبلغ المدفوع الى صاحب الارض (البائع) فقط، وليس للإقرار القضائي اية اهمية في اية دائرة من دوائر الدولة، ابتداء من البلدية الى الضريبة والطابو والتسجيل العراقي؛ فهو مجرد اقرار بتسليم مبلغ الى صاحب ارض ما، ولا يتيح هذا الاقرار التملك او اقامة مشروع، ولا يحمي من المخالفات ان وجدت مثل البناء في الارض او غير ذلك”.
(البطاقة العقارية هو الحل الأمثل)
فيما يقول غيث الشمري خبير بتجارة العقارات: “ان موضوع تزوير المستمسكات الرسمية للأراضي والعقارات والدور، أو الاستيلاء على المستمسكات الاصلية دون علم اصحابها؛ لجهلهم، او سفرهم، او استغلال (الموكّل) للوكالة العامة التي منحها صاحب العقار او الارض لثقته به أصبح امرا مقلقا، وقد حدثت مشكلات كثيرة لا حصر لها في هذا المجال، وذهب ضحية هذا التدليس والاحتيال الذي يشارك فيه ضعاف النفوس من الموظفين في دوائر الطابو والضريبة والتسجيل العقاري كثير من المواطنين الذين ذهبت اموالهم جراء ذلك”.
وتابع الشمري: “لذا؛ وفي العام 2011 تم تشكيل لجنة من قبل وزاره العدل وممثلين من مجلس النواب وباقي الوزارات مثل المالية والداخلية لإيجاد حل جذري لهذه المشكلة التي اصبحت تؤرق المواطن (البائع والمشتري) واوصت هذه اللجنة بثلاث خطوات:
أولا: (اتمتة) اجراءات وآليات التسجيل العقاري، واستخدام التقنيات ومغادرة نظام (الحفظ في الدواليب)؛ وهو الطريقة البدائية اليدوية في حفظ الاضابير الورقية، المعمول بها منذ العهد العثماني؛ التي هي قطعا معرضة الى التلف والتآكل والتلاعب والتمزيق.
ثانيا: استبدال الاضبارة الورقية بإصدار (بطاقة عقارية) شبيهة بالبطاقة الوطنية تحتوي على شريحة فيها معلومات العقار كافة، وعائديته، واية مستجدات تطرأ على العقار من بيع او شراء او حجز.
ثالثا: تشكيل لجنة في كل دائرة تسجيل عقاري مكونة من ممثلين عن دائرة التسجيل العقاري وممثلين عن دوائر البلدية وآخرين من الضريبة لإنجاز المعاملة العقارية بصورة سريعة ودقيقة؛ تجنِّب المواطن الجهد والخطأ في الاجراءات، وتلافيها ان حدثت في وقت قياسي”.
وبيّن الشمري: “ان هذه الخطوات الثلاثة المهمة التي اوصت بها لجنة مجلس النواب في العام 2011 بقيت حبرا على ورق ولم تفعّل للأسف؛ لذا فعلى المواطن الكريم -حسب قوله – قبل شراء العقار ان يسأل البائع عن كيفية نقل ملكية العقار إليه، هل هو بيع عادي؟ ام انه بيع حكمي صادر بقرار من محكمة؟ وهل هو مشمول بقرار 72 لسنة 2017؟ الذي يخص عقارات، واملاك المشمولين باجتثاث البعث، او من ازلام النظام السابق، وعليه ايضا ان يتحرى الدقة في المعلومة من المؤسسة المختصة، لكن هناك مشكلة وهي ان البائع قد يتفق احيانا مع بعض من ضعاف النفوس في التسجيل العقاري على اجابات مقنعة للمشتري وموثقة رسميا وبأختام الدائرة؛ ولكن يتضح بعد ذلك بان هناك تزويرا او تدليسا قام به موظفو الدائرة المختصة وهذا يعد طامة كبرى لابد من حل جذري لها، والا فما ذنب المواطن الذي يذهب الى التسجيل العقاري ويجد ان العقار الذي يريد ان يشتريه سليم من الناحية القانونية ثم يتضح بعد ذلك ان هناك تزويرا في هذه الدائرة!! وهذا ما حدث كثيرا حتى ان عددا لا يستهان به من الموظفين قد احيلوا الى المحاكم بتهم التدليس والابتزاز والتزوير ونالوا جزاءهم بالسجن والغرامات وبأحكام ومدد مختلفة”.
(مسؤولية المواطن)
بين قلق المواطن من صحة معاملات البيع والشراء وخوف صاحب العقار من بيعه دون علمه، يبقى السؤال عن مدى فاعلية الاجراءات الحكومية المتمثلة بمؤسساتها الرقابية التي لا تأل جهدا في البحث، والتقصي، والتحري عن كل شبهة فساد أداري او عملية تزوير او ابتزاز؛ تم الاخبار عنها او رصدها، وتنجح في كثير من الاحيان بالإمساك بخيوطها وتفكيك شبكات ما يسمى بـ(مافيا الاراضي) وكانت آخرها؛ إحباط مُحاولة الاستيلاء على عقارٍ تبلغ مساحته (50) دونماً وتصل قيمته التقديريَّة إلى أكثر من (62) مليار دينارٍ. اذ تم التلاعب بموقع العقار العائدة ملكيته الى البلدية واستبداله بموقعٍ آخر بعد نقله (وتزحيفه) إلى منطقةٍ تجارية داخل مركز قضاء الحر في كربلاء عبر التلاعب بالخرائط الاصلية!
وتبقى مسؤولية القضاء على الفساد بأنواعه كافة؛ مهمة مشتركة طرفاها المؤسسة الرقابية ووعي المواطن برصد الشبهات وعدم التأخر او التردد بإخبار الجهات المختصة.
المصدر جريدة صباح كربلاء