حج مبرور وذنب مغفور؛ جملة شائعة ومتداولة في كثير من بلدان العام ؛ فهي جملة تهنئة وتبرك بالقادم من ديار المغفرة والرحمة والتعبد؛ بعد ان مرّ بكربلاء التضحية والاباء، فكأنه ينقل رائحة الحسين(ع) الزكية الى جده(ص)، والآيب سالما غانما من مكة المكرمة وكعبتها المشرفة، المضمخ بعطر النبي محمد (ص) الذي يحمله الى ابي عبد الله الحسين واخيه ابي الفضل(عليهما السلام) فكأن الحجاج العراقيين -دون سائر الامم- حباهم الله بشرف حمل بريد عطر زكي لإبنٍ شهيد ونبي!!!
ففي كل عام يستنشق النبي رائحة ابنه الحسين ببريد العراقيين، ويشم الابن رائحة جده محمد (ص) بالبريد نفسه. ما أعظمها من رسالة للنابهين، فهو حقا-الحاج العراقي خصوصا- قد شهد المنافع جلّها والبركات كلها فكان مصداقا للاية الكريمة ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ ﴾ [الحج: 28].
ومَن يتدبَّر أوامر الله _ تعالى _ في هذه الأيَّام يلمح أوَّل وهلة أنَّها للوجوب، فما بالك بمن يقف على معانيها؟ إنَّها تمتدّ ببلاغتها إلى مدارك أولي الألباب لتسبر غور فريضة الحج وجوهر كنه خطواته وأسراره وفروضه وواجباته؛ فضلا عن منافع المسلمين التي تخصّ جَميع نواحي شؤونهم الدينيَّة، والدنيويَّة السياسيَّة، والاقتصاديَّة، والاجتماعيَّة، والثَّقافيَّة.
طرق قوافل الحج البري قديمًا
أولت الدول والممالك والامبراطوريات اهتماما كبيرا بما يتعلق بفريضة الحج؛ من تهيئة سبل وصول الحاج والمعتمر من بلده الى مكة والمدينة. اذ بذل السلاطين العثمانيون _وقبلهم في الخلافة العباسية_ جهودا كبيرة وانجازات ضخمة مازالت شواهدها باقية في تسهيل وصول الحجاج الى بغيتهم عبر افتتاح الطرق وشق القنوات، وحفر البرك والانهر لتوفير المياه ونشر العساكر لحماية الحجيج من الضواري المتوحشة، وقطاع الطرق ومايعترضهم في رحلتهم المضنية من مصاعب واهوال في سفرهم صوب مكة والمدينة، وتوزعت طرق قوافل الحج الاسلامية الرئيسة قديما الى :
1. طريق الشام
هو الطريق الذي كانت تسلكه قوافل الحج القادمة من الشام وكذلك قافلة محمل الشام التي كانت تتحرك في أغلب المواسم في الخامس عشر من شوال تحت رئاسة أمير الحج، وكان يتولاها في العادة والي سوريا.
:2. طريق مصر:
جرت العادة في موسم الفريضة أن يصحب أمير الحج المصري، محملا مزينا بالحلي والفضة وسط احتفال كبير من القاهرة متجها إلى بركة الحاج. وهناك يلتقي بجموع قافلة الحج المصرية.
3. طريق عدن:
تخرج القافلة وسط احتفال مشهود من لحج إلى يكرد، ثم تنزل القوافل إلى “حيس”. وكان المحمل اليمني يخرج من عدن عندما كانت تحت الإدارة العثمانية، ومنذ العام 1556 م بدأ الوزير مصطفى باشا والي اليمن في تنظيم موكب المحمل الشريف باسم محمل صنعاء اليمن على إثر صدور فرمان له بهذا الصدد.
4. طريق عمان:
يمثل طريق عمان الطريق الرابع بين الطرق التي تسلكها قوافل الحج الإِسلامية. ويتجه حجاج عمان بعد أن يخرجوا من حصن المدينة إلى “تروى”، ثم إلى “عجلة”، ومنها الى بئر السلاح، وبعد ذلك تشد الرحال نحو مكة. والطريق من الحصن حتى مكة عشرون مرحلة، ولكن لتضاريسه الصحراوية القاسية وندرة مياهه فإن حجاج عمان يفضلون التوجه والعودة بطريق البحر.
5. طريق الحسا:
وهو الطريق الذي كانت تسلكه جموع حجاج نجد والجزيرة؛ مرورا بالدرعية فشعرا ثم مرقب، ومن هناك مرورا ببعض من المراحل، حتى ذات عرق؛ حيث مكان إحرام سكان نجد فساحة الكعبة المشرفة.
طريق الحج العراقي:
كان طريق الحج العراقي يستخدم من قِبل الحجاج المنطلقين من العراق وذلك عبر سبيلين ؛أحدهما يبدأ من الكوفة والآخر من البصرة وطريق ثالث من بغداد يتجمع فيه حجاج بيت الله من الدول المجاورة.
طريق الحج من البصرة
يجتاز القسم الشمالي الشرقي من شبه الجزيرة العربية عبر وادي الباطن وصحراء الدهناء والقصيم ليلتقي بعد ذلك مع طريق الكوفة مكة في ميقات ذات عرق.
أما طريق الكوفة؛ وهو ما أصطلح على تسميته بدرب زبيدة (المسمى باسم زوجة الخليفة العباسي هارون الرشيد) فيبلغ طوله حوالي 1400 كم، وهو يمر بمناطق مختلفة في طبيعتها متباينة في تضاريسها فتارة يكون مستوياً على أرض رملية أو طينية، وتارة آخرى يكون منحوتاً وسط الصخور في المناطق الجبلية، وفي بعض من أجزائه يكون موسعاً وخالياً من العوائق الخطرة في المناطق الوعرة. وطبقاً لما ورد عن علماء الجغرافيا المسلمين الأوائل فإنه يوجد على طول الطريق من الكوفة إلى مكة المكرمة حوالي أربع وخمسين محطة رئيسية، كما توجد محطات أخرى صغيرة فيما بينها.
وكانت المحطات كافة، الكبيرة منها والصغيرة على حد سواء مزودة بمصادر المياه حيث أمنت بشبكة على درجة كبيرة من الإتقان تتكون من برك المياه، وتشمل الخزانات والأحواض والآبار على اختلاف أنواعها وكذلك القنوات والسدود. وقد كشفت الأبحاث الأثرية التي تمت على هذا الطريق عما يقرب من خمسين بركة للمياه؛ وهو تقريباً نفس العدد الذي ذكره علماء الجغرافيا المسلمون الأوائل، وقد وجد ما يزيد على أربعين من هذه البرك في داخل أراضي المملكة العربية السعودية وحدها، منها المستديرة والمستطيلة وكذلك المربعة.
خارطة طريق البصرة
تتحرك القافلة من البصرة إلى الدريهمية، ثم إلى صفوان، ثم إلى منزل “جهر”، وتحط رحالها للتزود بالمياه والمؤن، ثم تتجه إلى حصن النبي موسى الموجود في “أضافا”، وبعدها تتحرك القافلة مارة بالعديد من المواقع والمنازل، حتى تصل أيضا إلى “ذات عرق”، التي تعد ميقات حجاج نجد والبصرة، حيث يحرمون فيها ثم يتجهون إلى بستان بني عامر، فمكة المكرمة حيث بيت الله الحرام.
طريق الحج من الكوفة
ويسمى درب زبيدة، وهو أحد أهم الدروب التاريخية، كونه من أهم طرق الحج السبعة في الجزيرة العربية التي يزيد عمرها عن 1000عام، ومن أهم طرق التجارة خلال العصرالعباسي، كما أنه أحد المواقع المرشحة للانضمام إلى قائمة اليونسكو للمواقع التاريخية العالمية،أُنشئ هذا الدرب التاريخي لخدمة المعتمرين والحجاج من أهل العراق وما جاورها من الدول الإسلامية ودول شرق آسيا، اكتمل بناؤه في حقبة الخلافة العباسية في العام 1258م، وقد اشتهر باسم «درب زبيدة» نسبة إلى السيدة زبيدة ابنة الخليفة أبو جعفر المنصور و زوجة الخليفة هارون الرشيد التي أسهمت في عمارته.
طريق بغداد
يتجمع فيه حجاج فارس وأذربيجان وغيرها من هذه المناطق في بغداد، وتتحرك القافلة من بغداد حتى تنزل بهضبة (صرصران)، فينضم إلى الموكب جموع أخرى من الحجاج متجهين نحو هضبة (قراشر)، ومنها إلى شط الفرات، ثم إلى الكوفة، فمشهد علي المسمى (سد بيداء النجف)، ومنه إلى “متعب”، ومن هناك إلى “فرع” مرورا بكثير من المراحل، حتى اللقاء بقافلة واسط في المكان المسمى “ثعلب”، ثم تتابع القافلة سيرها.
ويزدان الطريق من بغداد إلى مكة المكرمة بالأبنية وأسبلة المياه والخانات وغيرها من الأبنية رفيعة المستوى، خاصة تلك التي أمرت ببنائها السيدة “زبيدة” زوجة هارون الرشيد العباسي، والسلطان ملكشاه السلجوقي. وقد حافظ عليها وعني بها السلاطين العثمانيون جميعا.ولوقف التهديدات الخارجية لقوافل الحج والأماكن المقدسة قامت الدولة العثمانية بعمل حزام أمن حول الحجاز، يمتد هذا الحزام من سواكن وموانيء اليمن وخليج البصرة وجدة والسويس.
طريق كربلاء البري
وللظروف السياسية والاقتصادية التي مرت بها المنطقة من حروب ونزاعات وخلافات في التاريخ المعاصر جعلت من مدينة كربلاء ممرا اساسيا للحج، لا بل المنفذ البري الرئيس والاهم من الطرق التي تسلكها حافلات وقوافل وجموع الحجاج؛ اذ يبلغ طوله حوالي 300 كم ابتداء من كربلاء مرورا بكهوف الطار ثم الاخيضر وصولا الى منفذ عرعر الحدودي مع المملكه العربية السعودية.
تبدا حافلات الحجاج وحملاتهم بالقدوم الى مدينه كربلاء في شهر ذي القعدة او قبله من كل عام اذ تنشط الحركة المرورية بقدوم حجاج بيت الله الحرام من كل مدن العراق شمالا وجنوبا ووسطا ويتهيأ القائمون على ادارة المدينة وكوادرها بمختلف مهامهم واعمالهم وصنوفهم لادارة وتنفيذ خطة او ما يسمى تنظيميا ب(تفويج) الحجاج وذلك بتأهيل الشوارع، والطرق، وصيانة ووضع العلامات المرورية الدالة على الطريق.
حجاج كربلاء المقدسة
اما في يخص حجاج كربلاء فقد حرصت هيأة الحج والعمرة في كربلاء -حسب متابعتنا للتصريحات الصحفية الصادرة من مدير مكتب كربلاء المقدسة للحج والعمرة ، صباح مهدي نصر الله، – على بذل جهود مضاعفة للعمل على تهيئة الاجواء وتوفير سبل الراحة لجموع الحجاج بما يسهم في أدائهم المناسك بكل سهولة ويسر.
اذ عملت الهيأة قبل موسم الحج على تخصيص لجنة مختصة مشرفة على الفحص الشامل لسائقي مركبات النقل تضم مدير المكتب وثلاثة أطباء مختصين”.
وقد شمل الفحص أكثر من 60 سائقًا، بهدف التأكد من قدرتهم الصحية والبدنية على قيادة المركبات لمسافات طويلة وساعات متواصلة”. والعمل على انهاء الترتيبات الخاصة بأداء حجاج كربلاء للشعائر بما في ذلك توديعهم وتجهيز مساكنهم وتنقلاتهم فضلا عن رعايتهم الصحية وتلبية احتياجاتهم وتذليل العقبات التي قد تواجههم .
فضلا عن ذلك فان اهالي المدينة اعتادوا في كل موسم على تزيين واجهات بيوتهم ومحالهم بلافتات الترحيب بقدوم الحجاج من المدن العراقية وتهيئة المستلزمات الخدمية السريعة المتاحة من مأكل ومشرب وتصطف اعداد كبيرة منهم على جانبي طريق الاستقبال والتوديع للترحيب والدعاء بسلامة الذهاب والاياب محملين الحجاج السلام لنبي الرحمة محمد وآل بيته الكرام وصحبه الميامين في مكة والمدينة؛ ومتمنين عليهم الدعاء لهم عند هذه الشواهد والاضرحة والمراقد الصالحات.
بعثة الحج تفوز بجائزة (لُبيّتم)
ولايفوتنا ان نذكر بأن بعثة الحج العراقية قد حصلت على المركز الأول بجائزة “لبيتم” للعام الهجري 1444هـ (2023 ميلادية)، الذي بلغ عدد حجاج العراق فيه كثر من 41الف حاج والذي تكفلت الحكومة المركزية فيه بدفع تكلفة (الهَدي) وصرف مبلغ (700) ريال سعودي (مصرف جيب) لكل حاج ، دعما منها وتخفيفا للاعباء الاقتصادية عن الحاج العراقي؛ هذه الجائزة (لبيتم)التي تُصدرها وزارة الحج السعودية لأفضل بعثة حج تمثل بلدها ، هي جائزة شرفية تمنح لأفضل الدول تنظيما في أداء مناسك الحج. وتحصل على أعلى نسبة في المعايير المطروحة.
وجاء حصول العراق على الجائزة وفق أرقام ومواصفات اعتمدتها وزارة الحج والعمرة السعودية لجميع بعثات الحج لموسم حج العام 1444 هجرية، تعتمد هذه المواصفات الجانب التنظيمي لكل بلد، وكذلك التوثيق، وإيجار السكن والإعاشة والنقل الداخلي والخارجي، والتفويج إلى المشاعر وأماكن الحجيج حسب الفئات، فضلا عن معيار البعثتين الطبية والإدارية.
موسم الحج للعام 2024
بلغت الحصة الرسمية لعدد حجاج العراق -وفقا لهيأة الحج والعمرة- 33 ألفاً و690 حاجا، يمنح من هذه الحصة وفق القانون 15 بالمئة لذوي الشهداء من الحصة الكلية؛ توزع على:
خمسة بالمئة للشهداء الذين قتلهم النظام البائد ،
خمسة بالمئة لشهداء وجرحى الحشد الشعبي،
خمسة بالمئة لشهداء العمليات الارهابية والاخطاء العسكرية.
ووفق تصريحات الهيأة، فان العراق يعد أول دولة انهت متعلقاتها الادارية والتنظيمية مبكرا وقبل عدة اشهر من موعد الفريضة وجميع مايتصل بعقود السكن والإطعام والنقل لموسم الحج للعام 2024، وان مبالغ العقود موجودة في (المسار الالكتروني) للجانب السعودي وهذا يعني انه بعد انتهاء التصاريح للمباني المحجوزة فان صاحب البناية يستلم مستحقاته كاملة، والهيأة جاهزة تماماً.
فهل ياترى ستحقق بعثة الحج العراقية جائزة (لبيتم) في خدمة حجاجنا، للمرة الثانية على التوالي كي نقول لهم (بوركتم).
المصدر جريدة صباح كربلاء